سطات.. ذاكرة وملاحم بطولية
لا يمكن إثارة اسم مدينة سطات أو زطاط كما كانت تسمى سالفا، دون استحضار الذاكرة والملاحم البطولية التي دونها أبناء هذه المدينة ومختلف قبائلها الممتدة على تراب الشاوية بمداد الفخر والشموخ في ساحة الشرف، التي قهروا فيها المستعمر الفرنسي، الذي لم ينل من إرادتهم وعزيمتهم في بلوغ طموح الحرية، بل تجرع منهم الويلات، حتى تأكد قادته أنهم يواجهون قوة غير عادية لا يمكن الخلاص منها وحقن دمائهم التي أصبحت تجري وديانا في كل شبر من سهول الشاوية الخصبة.
وللجيل الحديث أن يراجع كتب التاريخ ليعرف أن فرسان الشاوية الأشاوس كانوا وراء صناعة ثورة غير مسبوقة شأنهم شأن جل المغاربة في كل شبر من الوطن، وهو ما بلغ صيته كل المعمور حتى أن المعمرين دونوا ذلك في يومياتهم وبصموه في تاريخهم نتيجة إرادة حديدية لتحرير الوطن وإعادة سيادته وكرامته ومن في قلبه ذره شك يمكن أن يسائل تراب حافة سطات الكارة أو يسأل سنابل منطقة أولاد اسعيد التي كان يتوارى فيها وطنيو الشاوية من حملات البحث عنهم من الطغيان الفرنسي بعد اغتيالهم لخونة الوطن، وكيف أن أطفال الشاوية شاركوا كبارهم هذه الملاحم البطولية بفتح أبوابهم و"مطامر" آبائهم ملاذا للوطنيين للاختباء بجوار أكياس الحبوب، وكيف أن الطغيان المسلح لم يزرع ذرة خوف في نفوسهم عند عمليات التفتيش.
اسألوا شابة في سن الخامسة عشرة على أبعد تقدير كيف منحت الوطنيين البنزين بمنطقة غدانة باولاد اسعيد لتحريك مروحية بعد نفاذ وقودها، والتي كانت في مهمة لإنقاذ أحد الوطنيين المبحوث عنهم بعد اغتياله لأحد المعمرين، اسألوها رغم سنها الصغير كيف سهلت مأمورية هروب أحد السجناء المغاربة الذين كان محكوم عليهم بالقيام بالأعمال الزراعية حفاة الأرجل وأدخلته إلى مطمورة إلى حين انتهاء التفتيش عنه من المعمرين…
شموخ ساكنة سطات وأهل الشاوية، لم ينطلق فقط مع انطلاقة ثورة الملك والشعب والمعارك الباسلة ضد الاستعمار الفرنسي، بل إن حضورها ودورها كان في مختلف مراحل تاريخ المغرب القديم والحديث، على الخصوص لموقعها الجغرافي المهم، وكتب التاريخ زاخرة بكل ما يدل على ذلك والروايات الشفهية لأهل المنطقة مرصعة بدماء الشرفاء المناضلين من المنطقة، وهي كذلك المدينة التي كانت دائما عامرة بالخيرات، فاعتبرت إلى حدود وسط القرن الماضي مورد غذاء لساكنة المغرب بعدما كانت اسما على مسمى بلقبها "مطمورة المغرب".
…يتبع…