ربورطاج: إفلاس إنساني يحول ملائكة الشارع إلى بضائع متحركة.. سكوب ماروك في تحقيق ميداني تكشف تفاصيل صادمة عن حياة ملائكة الشارع بسطات
تعترف المندوبية السامية للتخطيط وكافة مؤسسات الرعاية الإجتماعية بأنها لا تمتلك حتى الآن، أية إحصائيات رسمية حقيقية يمكن من خلالها معرفة العدد الحقيقي لملائكة الشوارع (المشردين و أطفال وشباب الشوارع…) آخر تعداد سكاني جرى في المغرب، لم يتضمن أية إشارات إلى هذه الفئة من المجتمع التي تبقى تقديرية في غالبية الأحوال، كما يقول فاعل حقوقي الذي يقر بأن الحصول على أعداد المشردين الحقيقي، هو السبيل الأمثل للشروع بمرحلة إعداد الخطط اللازمة لتأهيلهم وحل مشكلتهم المزمنة، في حين ذهب باحث باستهجانه لما يسميه بخرافة الأرقام الرسمية التي تقدمها التقارير الحكومية، في وقت لا توجد أية استراتيجية ميدانية لامتصاص جافل هاته الفئة من الشوارع. سكوب ماروك قررت تسليط الضوء على هذا الملف، قبل أن تصل إلى تفاصيل صادمة من خلال حوار مع عينات بؤرية لبعض النماذج من ملائكة الشارع بسطات…
تنوع قصص أطفال الشوارع..
طفلان يتبادلان الأدوار في الإشارات الضوئية للمدارة الطرقية لساحة الحرية (ساحة الحصان) بسطات، يبيعان المناديل الورقية، قبل أن يتبين أنهما اخوان يسميان على التوالي (ع) و(ح)، اعترفا بحسرة أن والتهما اضطرت إلى اكتراء غرفة بحي سيدي عبد الكريم (ضالاس) بعد تخلي والدهما عنهما، تقدم لهم الوالدة علبا (كارطونات) من عشرات المناديل الورقية وتطالبهما ببيعهما وعدم العودة للغرفة إلا بعد نفاذ جميع المناديل، حيث يضطران للبقاء إلى أوقات متأخرة من الليل وفي بعض الحالات تصل إلى فجر كل يوم.
طفلة في الثانية عشرة من عمرها تسمى (ن) تمسك بسيجارة من نوع رخيص بجوار المركب السياحي البلدي تتبادلها مع صديقة لها في نفس السن، تنحدر من حي البطوار، لتكشف أنها تقدم جسدها لسائقي بعض السيارات من العجزة بل تمتد لتتحول إلى بضاعة لبعض المراهقين مقابل مبالغ مالية زهيدة تقتني بها بعض الأكلات الخفيفة لسد رمقها، حيث اتخذت هذه الطريقة مباشرة بعد وفاة والدتها، ما جعلها تغادر المدرسة وتتفرغ للأشغال المنزلية في ظل الغياب المتكرر لوالدها الباحث عن عمل موسمي بأسواق قرى إقليم سطات، حيث تخرج لممارسة هذه الظاهرة بين الفينة والأخرى، في وقت ان زميلتها لا تعدو ان تكون ابنة الجيران التي ترافقها في نفس الممارسة لجلب المال، لكن لأسباب واهية لا تتجاوز الطيش والمراهقة.
ما زال الطفل (م) الذي فر من مدينة البروج مرورا بعدة جماعات قبل أن تطأ قدماه مدينة سطات بعد انفصال والديه و زواج والده بسيدة أخرى في حين رحلت أمه إلى وجهة غير محددة، يشعر بالقلق حيال فكرة عودته الى مدينته مجددا والتعرض إلى ذات الظروف التي دفعته للمغادرة في البداية، حيث يعترف (م) بلغة حزينة والدموع في عينيه كيف تحول من ابن عائلة محافظة إلى طفل تناوبت عليه شهوات وغرائز من سبقوه إلى الشارع، حيث أن البقاء في شوارع سطات محفوف بالمخاطر، لكنه ليس اقل خطرا من العودة الى مدينة البروج التي يملك لها أرشيف مرير من الذكريات المتعلقة بالصراع العائلي والقهر و الجوع والهدر المدرسي…ليختم أنه مضطر للبحث عن طريقه بنفسه.
على سبيل الختم
يرتبط بروز ظاهرة ملائكة الشوارع بالتطورات السياسية والاقتصادية للمجتمعات البشرية، إذ يتطلب هذا التطور أنماطا سلوكية جديدة يكتسبها الأفراد والجماعات، إن ظاهرة ملائكة الشوارع لم تثر كمشكلة اجتماعية كبرى في الفترة ما قبل الثمانينات، ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب في ذلك الحين منها قلة عدد المشردين، وهذا يرجع إلى أنه كانت هناك بعض الضوابط الاجتماعية التي كانت تقوم بمهمة الضبط الاجتماعي الفعلي لأفراد الأسرة أو المجتمع المغربي، ونجد في مقدمة ذلك السلطة الأسرية التقليدية والتي كانت ذات فعالية كبرى في عملية ضبط نشاط جميع أفراد الأسرة ومراقبة سلوكهم داخل وخارج نطاق الأسرة، وهذا إلى جانب تواجد الأسرة التي ترتبط بروابط الدم وتسكن في مناطق متجاورة ومعروفة، مما يسهل لها مهمة المراقبة والضبط، إلى جانب العلاقات الأولية السائدة بين أفراد القبيلة الواحدة، وهذه علاقات تمتاز بأنها علاقات قوية جداً، بالإضافة إلى مقدرة الأسرة على تغطية أو تلبية جميع احتياجات أفرادها، بالإضافة إلى أن كل أفراد الأسرة كانوا يعتبرون قوى إنتاجية تسهم بصورة مباشرة في دعم اقتصاديات الأسرة، وكل ذلك له الأثر الأكبر في ضبط سلوك أفراد الأسرة أو التقليل من درجة انحرافهم.
كما أن عدم توفر المعلومات والبيانات الكافية عن هذه الظاهرة وأسبابها ساهم بقدر كبير في حجب معالم الصورة الواقعية لمشكلة التشرد، هذا إلى جانب عدم وعي المجتمع بأبعاد مشكلة التشرد، وإن كانت هناك بعض البيانات التي جاءت بها بعض التقارير الرسمية، والتي أشارت إلى وجود ظواهر انحراف وسط الأطفال، بدأت تطفو على السطح بشكل متزايد، منها ظاهرة التشرد إلا أن ذلك لم يثر كمشكلة اجتماعية باتت تخلق انعكاسات على قاطرة التنمية وبروز ظواهر اخرى.