هل ما زلنا نملك إرادة الحياة داخل مدينة سطات؟

هل ما زلنا نملك إرادة الحياة داخل مدينة سطات؟

مطلع سنة 2019، استوى عامل إقليم سطات على كرسيه بالطابق الثاني من مقر عمالة سطات، رتب لجولة قادته للعديد من المؤسسات والجماعات وكانت جماعة سطات من بينها، إلى هنا يبدو الأمر طبيعيا، فالأمر مرتبط بالأساس بزيارة تواصلية تدخل في إطار المجاملة والبروتوكول أكثر منها مباشرة للملفات العالقة.

ما استرعى الانتباه حقيقة خلال اللقاء التواصلي مع منتخبي سطات هو طبيعة  النقاش، فالعامل نظرا لمنصبه الحساس على رأس هرم الإدارة الترابية للإقليم لا بد وأن يكون اضطلع بما يكفي على مجريات الأمور بالإقليم، وغاص في تشخيص الحياة الثقافية والسياسية والرياضية والاجتماعية للمدينة، وخبر جيدا من خلال الملفات التي وجدها على مكتبه كل تمفصلات تدبير المدينة منذ أن وضع حجر الأساس لبناء مقر البلدية إلى آخر دورة من دورات المجلس، وحين تناول الكلمة لم يقل أكثر مما قيل من طرف كل العمال والولاة الذين سبقوه، على اعتبار أن تشخيص الوضع الحالي للمدينة ليس في حاجة للمزيد من الاجتهاد، وواقع الحال يتحدث عن نفسه ما دام التردي الصارخ لكل الخدمات الحيوية بالمدينة هو سيد الموقف.

من حق عامل سطات الجديد أن يقول ما يشاء بما أنه لم يتخذ طريق سلفه لهبيل خطيب الذي صبغ المدينة بالأحلام الوردية والتصاميم  والمشاريع التي لم تجد الأيادي الأمينة لقيادتها ومتابعتها، لكن المسؤول الترابي لم يجد ساسة بمقدورهم طرق أبوابه بإلحاح لإخراج عدد من المشاريع إلى حيز الوجود وتحويل الوعود إلى إنجازات على الميدان، ولما استفاقت الساكنة لم تجد العامل لهبيل الخطيب، الذي رحل إلى مدينة بني ملال في إطار ترقية إلى منصب والي لجهة بني ملال خنيفرة، ووجدت الساكنة واقعا أكثر قتامة عما كان، في وقت تحركت دواليب الحياة في جهة بني ملال خنيفرة، ما يكشف بجلاء أن العيب في طبيعة المنتخبين والفعاليات السياسية بمدينة سطات فقط.

لكن هل يحق لمنتخبي ما بعد دستور 2011 وما بعد الميثاق الجماعي الجديد الذي اتخذ مسمى القانون التنظيمي للجماعات الترابية، وما بعد الجهوية المتقدمة وما بعد النموذج التنموي وصولا إلى القاسم الانتخابي، أن يتباكوا في مجالسهم مع المواطنين ويعزون عجزهم على عدم تفعيل وعودهم لفائدة الفئة الناخبة إلى ضعف الميزانية أو الى “الفيتو” العاملي للحجر على ميزانياتهم؟ أو يتخذون عامل الإقليم وقراراته درعا وذريعة لستر خيباتهم وفشلهم التدبيري.

مع كل احترامي للأغلبية والمعارضة داخل المجلس الجماعي لسطات  فهناك شيئ خاطئ، فإما أن السادة الأعضاء لم يقرؤوا جيدا ما لهم وما عليهم داخل كتيب القانون التنظيمي للجماعات الترابية للتسيير، وفهموا بأنهم السلطة الفعلية لتدبير المدينة وتنميتها على كافة المستويات والأصعدة، وإما أنهم لا يريدون استيعاب التحولات التنموية الجارية ببلادنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.

المطلوب اليوم تحمل كافة الفرقاء لمسؤولياتهم، وأداء وظائفهم بكفاءة ونكران ذات، أما زمن التراشق بتحميل المسؤولية ولى، و القانون التنظيمي للجماعات الترابية الذي على أساسه تم انتخاب المجلس الحالي رسم بشكل محكم مجالات تدخل مختلف الفاعلين، وأوضح بما لا يدع مجالا للشك بأن أمر التنمية والحكامة الجيدة هي مسؤولية المجلس المنتخب، وبأن سلطة الوصاية والتي يمثلها العامل، ينحصر مجال تدخلها في التنسيق بين مختلف المصالح الخارجية وتتبع عمل المجالس المنتخبة دون تدخل مباشر، ومن يسمح بالحجر على  اختصاصاته يعتبر ذليل ومسلوب الإرادة ربما لسببين لا ثالث لهما، إما ضعيف الشخصية  والمنصب أكبر منه أو أن منزله من زجاج “في كرشه العجينة” ولا يقدر على ممارسة اختصاصاته خوفا من كشف عجين بطنه، وفي كلتا الحالتين يضطر العامل أمام هذا الفراغ للتدخل لسد الهوة وتقويم الاعوجاجات، كما حصل عند رفض العامل التأشير في مرحلتين على “حالة تنازع للمصالح” تم تداولها والمصادقة عليها في دورتين للمجلس الجماعي لسطات.

ربما اختصر أبو قاسم الشابّي حالنا بجملة، “ومن لا يحبّ صعودَ الجبال يَعِش أبدَ الدهرِ بين الحُفر”، لكن لم يعلم هذا الشاعر القدير ما يمكن أن يملأ تلك الحفر من ظلمٍ ووجعٍ وقسوة، ومن سخرية القدر أنّ الجملة المذكورة أتت في قصيدة عنوانها “إرادة الحياة”. ولكن هل ما زلنا نملك إرادة الحياة داخل مدينة سطات؟