ملوك الوهم يتربعون على عرش السوشل ميديا.. كفى من جعل الحمقى مشاهير

ملوك الوهم يتربعون على عرش السوشل ميديا.. كفى من جعل الحمقى مشاهير

أصبحت التفاهة والخروج عن المألوف، هو القاعدة الثابتة التي ينطلق منها عدد ممن يعتبرون أنفسهم نجوم أو مؤثرين، في عدد من المجالات التي تحظى بمتابعة واسعة من المغاربة وغيرهم، بعد أن أصبح البحث عن عدد اللايكات او التعليقات أو المشاهدات في مختلف الوسائط الإلكترونية هو الهدف الأساسي لهواة “التصنطيح”، آملا في جلب ذلك “الأسد” الذي يخفي ورائه عائدات مادية غير مراقبة.

تصفح بسيط فيما بات متداولا عند شريحة واسعة بالوسائط الرقمية بشتى أنواعها، يكشف مشاهد مقززة وبئيسة، تحاول الخروج عن المألوف بأشياء تافهة لصناعة التميز، وشد انتباه المتتبعين، إلا أن الامر لم يتوقف عن عشاق “كبيسو”، بل امتد إلى صاحبة الجلالة التي سرعان ما زاغ الخط التحريري لبعضها بحثا عن البوز بمعالجة مواضيع وإصدار نشرات محتشمة، إن لم نقل مخلة بالحياء في عدد من الحالات، بعدما بات ضيوف حلقات عدد من البرامج، هم عاهرات أو حمقى أو مستهلكي المخدرات أو مدانون قضائيا يسردون للجيل الحالي، مسارهم وكأنهم القدوة الواجب اتباعه، ما لا يرقى لتطلعات فئات واسعة من مثقفي ونخب الوطن الباحثة قراءات وتحليلات وقراءة مواضيع بطريقة أقل ما يقال عنها محترمة، تحترم آدمية الانسان من جهة وذكاء الشعب من جهة ثانية.

لكن اللهث على تحقيق البوز من حمقى الوطن وجعلهم مشاهير، يجعل بعض مسؤولي البلاد، سرعان ما يركبون مع القافلة ويزيغون عن أذواقهم ومبادئهم الحقيقية بحثا عن مكانة لهم وسط الساحة الوطنية، بتداول أو انتاج التفاهة، عبر الاستعانة بمؤثري التفاهة للترويج والدعاية لعدد من البرامج الحزبية أو القطاعات الحكومية، بل الاستعانة بهم لرد الاعتبار لعدد من القنوات التلفزيونية الرسمية عبر استخدام عدد من المؤثرين في سلسلات قصد استمالة المشاهدين لمتابعة برامجهم بعدما شهدت هجرة جماعية.

وضعية استثنائية وغير عادية بكل المقاييس، لأن ما بات ينتج على هاته المنصات الرقمية من تغريدات وصور وفيديوهات يصب في اتجاه تخريب أذواق الناشئة، ويشجع المراهقين والأطفال الصغار والقاصرين على السير على منوالهم، بحثا عن البوز، بعيدا عن الأدوار الحقيقية للوسائط الإلكترونية الرامية إلى تنوير المجتمع، والعمل من أجل خدمة حق المواطنين في الوصول إلى المعلومة، وليس تضليله بأخبار زائفة، ومواضيع تافهة، يضاف لها النقص الكبير في التواصل بين المؤسسات التربوية والجيل الناشئ، ما أثمر أزمة أخلاقية في وطننا الحبيب، ستتوسع لا محالة دائرة تداعياتها مستقبلا، إذا لم يتم إيقاف نزيفها بشكل مستعجل لتفادي انهيار القيم الأخلاقية والمجتمعية لشعب يقال مسلم محافظ، والله أعلم.

فعلا، لا حق لنا في الاستغراب في سلوكات أطفالنا ويافعينا، لأننا في النهاية نمضغ العنب المحصرم، ونظفر بحصاد الهشيم، الذي زرعناه عبر مختلف الوسائط الإلكترونية.. ماذا ننتظر من جيل يتلقى يوميا سيلا من الالتباسات على مستوى بناء القدوة وتحديد معايير النجاح الاجتماعي وهو يرى التفاهة تجلب الشهرة والمال، في بلاد المفكرين والأدباء والعلماء الذين تم طمس هويتهم؟ فعندما يصير “نيبا” وأمثاله سفراء للوطن في البوز والمشاهدة وقدوة لأطفالنا ويافعينا لكسب المال عبر التسول الالكتروني والتشلهيب، وعندما يتحول “الستريمر إلياس المالكي”، صاحب اللسان الفظ، بكلماته القبيحة يعلق على عدد من الملفات الحارقة في هذا الوطن بأسلوب ساخر منحط يزمجرها مع قهقهاته التي ترافق تعليقاته المخلة، كأنما هو الحاوي الذي أخرج من قبعته الأرنب الأكبر: التفاهة المطلقة. ولا يمكن إنكار التأثير العميق لهذا “الأرنب السحري”، إذ بات العديد من الشباب يقتبسون منه نكاتهم وتعليقاتهم، مستسلمين لإغراء السهل والسريع.

لكن لا تتوقف الحكاية هنا. فها هي “الراقصة مايا” تدخل الساحة مثل ملكة استعراض او تلك المرشدة الاجتماعية، تتحرك على إيقاع التصفيق الافتراضي، تروي قصتها التي تحولت، وبسحر عجيب، إلى أسطورة نجاح، تقدم النصح والإرشاد للنسوة في كيفية التعامل مع الرجل بعد تجاربها “الزواجية !!” المزلزلة. نعم، لقد تحولت فجأة من مجرد شخصية هامشية إلى “قدوة” للمراهقات، ولما لا إلى نسوة بعينهن، ولسان حالهن يقول: “إذا كانت مايا تستطيع، فلم لا؟”. لكن خلف هذا التصفيق، هناك صمت مُربك. كيف يمكن لشخصية لا تقدم سوى “….” أن تصبح قدوة؟

المسلسل السوقي المفبرك، الذي لا ينتهي لـ”حسي” و”نزار” و”مليكة” التي سرعان ما تحول اسمها إلى ملاك، تضاف له دروس المعاطية لـ “ولد الشينوية” وعدد من “ألوان” هذا الوطن، يقود لا محالة جيلا إلى الانهيار، نتيجة ترديد عدد من العبارات السمجة التي تأتي من أفواه أو ثغور بلداء الوطن.

نعم، ولما لا تتوسع بؤرة الخسارات لتتحول إلى هوة تلتهم الناشئة في طريقها، بعدما تحول أميون بشهادة “الماترنيل أو البريمير”، التي لن يدركوا يوما معناها، إلى ساسة يدبرون شؤون البلاد والعباد ويرسمون الشوهة بأسمى معانيها في فضاءات مقدسة ودستورية تشمل المجالس الجماعية والإقليمية، بل وصلت في بعض المحطات إلى قبة البرلمان، فمن الطبيعي أن يحدث ما حدث، وأن تتواصل الخسارات بصيغ فجة.

قد يكون من المضحك، والمبكي في الوقت ذاته، أن نرى كيف تحول المشهد الرقمي إلى مسرح كوميدي ساخر، حيث الأبطال هم هؤلاء الذين لا يملكون شيئًا حقيقيًا ليقدموه سوى استعراض روتينهم اليومي ونزع ثوب الحشمة لكشف “كعكاتهم”. وبينما تراقب هذا العروض، تجد نفسك تتساءل: هل نحن بالفعل في عصر “التفاهة الكبرى”؟ أم أن هناك أملًا بأن هذه المسرحية ستنتهي قريبًا، وستُسدل الستائر على ضجيج “الترندات” الفارغة؟

الإجابة، ربما، تكمن فينا نحن. نحن الجمهور الذي يجلس في المقاعد الأمامية، نصفق أحيانًا ونسخر أحيانًا أخرى. نحن من يقرر إن كان هذا العرض يستحق الاستمرار أم لا. إذا أردنا رؤية شيء آخر على الركح الرقمي، فعلينا أن نغير ذوقنا قليلاً. لننتقل من “اللايكات” السريعة إلى التفكر العميق، ومن التعليقات العابرة إلى الحوار الجاد.

لكن حتى ذلك الحين، قد نحتاج إلى قسط من الفكاهة ونحن نراقب هذا المشهد العبثي.

بقلم : المهندس معاد فاروق