رجاء أيها المتسلطون.. دعوا معاذ يناجي ليلاه..
بزغ سنا يراع داخل إقليم سطات، سرعان ما تمكن من حجز مكانة له ضمن نخب المدينة، نظير سلاسة مداعبته لحروف وكلمات الضاد، المتناثرة بغنج هنا وهناك على شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك تارة وبعض الوسائط الإلكترونية تارة أخرى، تسلط الضوء على ظاهرة أو حدث أو سلوك… إنه يا سادة القلم الشاب معاذ فاروق.
صدقا يا سادة، من الصعب أن تتحرك جوارحي لمتابعة أحد الأقلام الحرة داخل مدينة سطات، وذلك لغياب البيان اللغوي المطلوب، أو زاوية المعالجة، أو افتقاد فصاحة “سبويه”، اللهم تغريدات “معاذ فاروق” التي تمكنت فعلا من انتزاع وقتي عنوة، لمتابعتها وقراءتها في أكثر من مرة، لفك شيفراتها ورسائلها الجاهرة والمبطنة، ما حق من نافلة القول: برافو.
سادتي الكرام؛
اسمحوا لي أن أتزين عبر ارتداء عباءة المحامي رغم قدسيتها، للترافع على هذا القلم، الذي يذكرني بفترات شبابي، عندما كانت تستهويني الكتابة الأدبية والصحفية، والتي لا زلت متيما ومغروما بثناياها، حيث سرعان ما صنعت كتاباتي لها خميسا من المتابعين، وخلفت ردود فعل متباينة بين قراء أوفياء ينوهون برفعتها وآخرين سخروا مختلف امكانياتهم لنسف ربيع هذا اليراع القادم عبر بوابة “سكوب ماروك”، فتارة تم جري إلى ردهات القضاء والأمن، وتارة أخرى تم الاستعانة بطرق باب عائلتي الكبيرة والصغيرة “التْبَرْيَة” لترهيب قلمي أو لدفعه إلى العدول عن معالجة عدد من القضايا أو نفض الغبار على غسيل عدد من الشخصيات العامة، بينما من عجز منهم من النيل من عزيمة ريعان شبابي، استكان وتسلل إلى لائحة أصدقائي لدفعي بطريقة حبية وودية للانصراف عن تسليط الضوء على عدد من القضايا، متناسيا أني من أصحاب برج “الدلو”، الذين يتقاسمون خصلة التمرد والوفاء في نفس الوقت.
سادتي الكرام؛
ألم يكن حريا، دعم الطاقة الشابة لمعاذ فاروق، وتحفيزها لمواصلة توجيه بوصلة انتقاداته الراقية، وبأسلوبه الرصين والمتمكن من أبجديات وأخلاقيات لغة “أبو الأسود”، في زمن يزيد فيه حنيننا إلى أقلام نظيفة ومتحضرة، أمام استشراء موجة التفاهة التي باتت تغذي حياتنا اليومية، ألم يكن حريا أن ندع هذا القلم الشاب يناجي ليلاه المتمثلة في هوايته “الكتابة” على غرار ما كان يقوم به “قيس بن الملوح” في مداعبة “ليلاه”، أم أنهم تناسوا أو سقط منهم سهوا أو عمدا قول العالم أحمد زويل “الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل”.
سادتي الكرام؛
لطالما كنت عرضة لجلدي بانتقادات لاذعة بأسلوب رخيص وصل في بعض طايته إلى اسب والقذف والتشهير، لكنها لم تنل من شكيمتي، بل أنها لم تحرك مني ساكنا، إيمانا بالقولة المأثورة “القافلة تسير والكلاب تنبح”، في وقت استبشرت خيرا من انتقادات أخرى ببيان لغوي رفيع المستوى عرج به “حتوج” إلى علياء لغة الضاد، فحز في نفسي أن أدعها تمر مرور الكرام، فأثارت نباهتي إلى درجة الاستفزاز، فما كان منها إلا أن سرقت وقتي للتفاعل معها برؤية متنورة وصدر رحب.
سادتي الكرام؛
إذا صدق القول، باستشاطة أو تبرم بعض القراء من كتاباتي ومعي الآخر “معاذ”، فحق لهم أن يذهبوا بأنفسهم إلى لندن ويبحثوا عن المقبرة التي دُفن بها “تشارلز بابيج” عالم الرياضيات والمهندس والفيلسوف الشهير ليستخرجوا رفاته من قبره ويحكموا عليه بالإعدام، بل قد يتبادر إلى ذهن البعض أن يطحن ما تبقى من عظام ذلك الخائن بأسنانه ثم يحرقها ويلقي بها إلى غياهب المحيط الهادي.
قد يستغرب البعض من هذا الرجل، ولما كل هذا؟ الجواب يكمن في أن “تشارلز بابيج” هو من قام بأكبر جريمة في التاريخ من وجهة نظر المتجبرين، من رافضي حرية التعبير، ألا وهي اختراع جهاز الحاسوب، ذلك اللعين الملعون الذي أخذ يتطور بسرعة عجيبة حتى وصل إلى ما نراه اليوم، وبسببه أصبحت الستائر مكشوفة وكل الأسرار باتت معروفة والفضائح يراها كل صغير وكبير في هذا العالم، ونُزعت الأكمام عن الأفواه بعد أن تكسرت القيود المُكبلة للعقول، ذلك الجهاز الصغير الذي أعاد شيئاً من إنسانية الإنسان بعد أن سلبها المتسلطون.
سادتي الكرام؛
بكل تأكيد، أنصحكم أيها الجبابرة، للنكل بجثة “تشارلز بابيج” وسحله إربا على فعلته الشنيعة، فلو بقينا بدون حاسوب، لكانت المصيبة أقل ضرراً، ولما تكسرت العروش من تحت أصحاب الكروش، لكن ذلك الأفّاق المجرم جعله ذكياً، سهلاً، في متناول الجميع وبلمسة واحدة تستطيع أن ترى كل شيء في هذا العالم، وبدقيقة واحدة نستطيع أن نسل أناملها لحياكة بضعة كلمات متراصة اللغة والنحو، بمثابة سبع بقرات سمان بلغة رؤية سيدنا يوسف، لكنها في منظور المتسلطين من عشاق تكميم الأفواه، بمثابة سبع عجاف.