نحو قراءة معمّقة لديناميات النقد المبكر للمجلس الجماعي الجديد بسطات

نحو قراءة معمّقة لديناميات النقد المبكر للمجلس الجماعي الجديد بسطات

إن تأمل المشهد الحالي، الذي يشهده المجلس الجماعي الجديد بسطات، الذي لم يمضِ على تشكيله سوى ثلاثة أشهر، يضعنا أمام مفارقة لافتة: كيف يمكن تحميل مجلس وليد مسؤولية إخفاقات متراكمة هي في أصلها حصيلة عقود من التدبير السابق؟ وهل يمكن لعقلية الإنصاف أن تُقرّ نقداً يقوم على تغييب أبسط قواعد التحليل الموضوعي؟

السياسة، في جوهرها، ليست معادلة رياضية تحكمها حدود زمنية ثابتة، بل هي عملية تراكمية تتطلب قراءة عميقة للسياق الزمني، الإرث الموروث، والإمكانات المتاحة. فالمجلس الجديد يجد نفسه أمام تركيبة معقدة من التحديات، بعضها ظاهر للعيان كالبنية التحتية المهترئة، أو غياب سياسات استباقية، وبعضها الآخر خفي، كالإرث الإداري المثقل بالتراكمات والتشابكات البيروقراطية.

الانتقاد المبكر، الذي يتوجه لهذا المجلس لا يمكن تحليله بمعزل عن خلفيتين: الأولى، خلفية سلوكية نابعة من التسرع في إصدار الأحكام بناءً على النتائج الآنية دون اعتبار لدورة الزمن السياسي. والثانية، خلفية استراتيجية قد تكون مدفوعة بأجندات سياسية أو مصالح خاصة تهدف لتقويض الثقة في أي مشروع إصلاحي يحمل ملامح التغيير، ولكن، إذا انطلقنا من منطق التحليل العميق، يتضح أن هذا النقد يحمل في طياته مغالطة مزدوجة. فمن جهة، يُغفل السياق التاريخي الذي أفرز الأزمات الراهنة، حيث لا يمكن بأي حال تحميل مجلس جديد وزر سياسات سابقة كانت خارج نطاق مسؤولياته. ومن جهة أخرى، يتجاهل دينامية العمل السياسي التي تتطلب مراحل متعددة لتحديد الأولويات، وضع الخطط، وتنفيذ المشاريع، أما منطق النقد المنصف، فهو يدعو إلى التروي، إذ لا يمكن تقييم أداء مجلس جديد إلا بعد مرور فترة زمنية معقولة تتيح له تقديم رؤيته وتنفيذ خططه.

الزمن السياسي له إيقاعه الخاص الذي لا يمكن قياسه بمعايير العجلة التي اعتادها البعض، خصوصاً إذا كان هذا المجلس يتعامل مع إرث ثقيل يتطلب إعادة صياغة جذرية. لكن، ورغم ذلك، فإن على المجلس الجديد مسؤولية واضحة: وهي تقديم خطاب استباقي يعزز الثقة ويفنّد الادعاءات التي قد تسعى لتشويه صورته. فغياب هذا الخطاب الواضح قد يفتح المجال أمام موجات النقد غير المبرر، مما يعرقل مسيرته ويضعه في موقف دفاعي لا يخدم مصلحة الساكنة.إذن، هل النقد الحالي يعبر عن رغبة حقيقية في الإصلاح أم أنه مجرد وسيلة لإضعاف إرادة التغيير؟ الإجابة واضحة لمن أراد أن ينظر بعين العقل والمنطق: ما يعيشه المجلس اليوم هو اختبار لقدرته على الجمع بين العمل الميداني والتواصل الاستراتيجي. وأما المنتقدون، فإن التاريخ وحده كفيل بإبراز الفرق بين النقد البناء والنقد الذي يُستخدم كأداة لخلط الأوراق وإضعاف الأمل في التغيير.

على الجميع إذن أن يدرك أن الإنصاف ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل هو قاعدة أساسية لبناء تصور سليم عن واقع سياسي يحتاج إلى بصيرة تتجاوز الانطباعات السطحية، وتنحاز للعقلانية التي تجعل من الزمن حَكماً بين الإخفاق والنجاح.