سطات.. حيث القانون التنظيمي للجماعات لا ينام!

في الوقت الذي لا تزال فيه معظم مجالس الجماعات الترابية تحت إشراف السلطات الإقليمية والمحلية، تتعامل مع القانون التنظيمي للجماعات 113-14، وكأنه مجرد “كتيّب إرشادات” تستعير منه بعض الفصول القانونية الروتينية لتدبير شؤونها الإدارية فقط، أو يمكن تجاهله عند اللزوم، اختارت جماعة سطات بمختلف سلطها المنتخبة والمحلية والإقليمية طريقًا مختلفًا تمامًا، حيث أصبح القانون فاعلًا رئيسيًا في اللعبة الجماعية، بل إن جاز القول أن المشرع لم يكن يتوقع زخم تنشيط هذا القانون داخل عاصمة الشاوية، حيث هنا، لا وجود لنصوص قانونية تبقى حبرًا على ورق، بل لكل مادة من القانون قصتها المثيرة، ووقتها المناسب للظهور، وشخصيتها الرئيسية التي ستتولى مهمة تفعيلها.
سادتي الكرام؛
تنطلق فصول حكاية القانون التنظيمي 113-14 بحاضرة سطات خلال سنة 2017، عبر أجرأة المادة 46 من نفس القانون المذكور، حيث أصبح السؤال خلالها مرعبًا، بعدما اختار المستشار الجماعي مصطفى فيرازي، وبكل ثقة، -قرر- أن يختبر قوة الحق في مساءلة الرئيس آنذاك عبد الرحمان عزيزي، مستعينًا بالمادة 46 التي تتيح توجيه أسئلة كتابية، حيث أنها خطوة قد تبدو بسيطة، لكنها تحمل في طياتها رسالة واضحة، أنه ليس كل شيء يمر بصمت، وهناك من لا يكتفي بالمشاهدة! وبطبيعة الحال، يبقى السؤال الأكبر حينها، هل كان الجواب على المستوى المطلوب أم أن الرسالة بقيت عالقة في طريقها إلى الرد؟
سادتي الكرام؛
عرف استقراء القانون التنظيمي 113-14 مرحلة مهادنة، إلى أن وصلت سنة 2023، حينها سل عامل إقليم سطات المادة 64 ليستعين بها لقلب الطاولة، حيث لا شيء أظفى على المشهد السياسي إثارة خلالها، أكثر من المادة 64، التي استخدمها العامل إبراهيم أبوزيد بكل صرامة لتحريك المسطرة القضائية وعزل الرئيس السابق مصطفى الثانوي ونائبه رشيد مشماشي.
صدقوني سادتي، أنه في عالم السياسة، الجميع يعرف أن الكراسي لا تُمنح للأبد، لكن يبدو أن بعض الأشخاص لم يكن لديهم الوقت الكافي لقراءة “شروط الاستخدام”، فجاءت المادة 64 كتصحيح قانوني من المشرع المغربي، لتذكّر الجميع بأن منطق “شدّ الكرسي ولا تفلته” لم يعد صالحًا للاستعمال.
سادتي الكرام؛
بعد مرور سنة تقريبا، على الأحداث السالفة، عاد باشا سطات المعين حديثا بعاصمة الشاوية إلى صناعة المشهد، بعدما خرج لأجرأة المادة 48، من خلال إقرار جلسة مغلقة لانتخابات رئاسة ومكتب المجلس الحالي، بقرار ربما اعتبر صادما حينها، لكن ربما استحضر خلاله باشا سطات حفظ النظام وفق منطوق الفقرة الأخيرة من المادة القانونية المذكوة، حيث قرر منع العموم من حضور جلسة انتخاب الرئيسة ندية فضمي ومكتبها المسير، عبر استخدام المادة 48، بعدما بدا الأمر وهلتها وكأننا أمام عرض مسرحي قرر المخرج أن يبقيه بدون جمهور، في وقت تساءل البعض حينها: هل كانت الجلسة مشوّقة لدرجة أن حضور العموم كان بمقدوره الاخلال بالنظام؟ أم أن هناك بعض التفاصيل التي كان من الأفضل أن تبقى في الكواليس؟ في كل الأحوال، المادة 48 دخلت على الخط، وأغلقت الأبواب في وجه الفضوليين بشكل قانوني طبعًا، وتبين فيما بعد رجاحة قرار وتدخل باشا المدينة بتوجيهات من عامل الإقليم، الذي كشف بالملموس يقظته وفطنته واستشرافه للمستقبل عبر قراءة فنجان مختلف الأحداث، التي يمكن أن ترافق هذا الاستحقاق الدستوري.
سادتي الكرام؛
مع مطلع سنة 2025، عادت الأستاذة ندية فضمي رئيسة جماعة سطات لتخطف الأضواء، عبر استعانتها بالمادة 26 من نفس القانون التنظيمي للجماعات، وذلك في فصل جديد من الحيوية القانونية التي تتميز بها سطات، حيث قررت تفعيل المادة 26 لإقالة المستشار الجماعي التهامي جهاد مهاب من مهمة رئيس لجنة التنمية الاقتصادية والاستثمار والتعاون، دون الحاجة لتبرير موقفها، إذ اقتصرت على منطوق المادة المذكورة التي لا تحتاج للتعليل أو التبرير على نقيض ما جاء في المادة 24 من نفس القانون، في حالة إقالة كاتب المجلس أو نائبه أو هما معا، حيث تحتاج حينها الرئيسة إلى قرار معلل، وكأن لسان حالها في هذه النازلة يقول: “إذا لم تعجبك القوانين، لا تقلق… لذينا مواد أخرى في جعبتنا تحتاج التفعيل!”.
هذه الواقعة لا محالة تعكس حقيقة واضحة، مفادها أن العمل الجماعي هنا ليس ناديًا مغلقًا، والتوازنات يمكن أن تتغير في أي لحظة، فهل نحن أمام “كرنفال قانوني”، أم أن الأمور تسير وفق خطة محكمة يجهلها البعض؟
صدقوني سادتي الكرام؛
أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن جماعة سطات، تحولت إلى ساحة لتجريب وتفعيل مختلف المواد القانونية التنظيمية، وكأنها تقدم دروسًا تطبيقية للجماعات الترابية الأخرى المنتشرة في مختلف ربوع المملكة، حول كيفية استثمار النصوص القانونية في إعادة تشكيل المشهد السياسي المحلي، وإذا كان الأمر قد بدأ بالمادة 46 مرورًا بـ 64 48 وصولا إلى 26، فإن السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم هو: هل نحن أمام “سلسلة قانونية” مفتوحة الحلقات؟ وهل سيتم استدعاء مواد أخرى في المستقبل لإثراء هذا المشهد؟ أم أن سطات ستعلن في يوم ما أن القانون قد قال كلمته الأخيرة، وأنه لم يتبقَّ شيء لم يُفعّل بعد؟
في سطات، يبدو أن القانون ليس مجرد نصوص… بل هو لاعب رئيسي على رقعة الشطرنج الجماعية، واللعبة لا تزال مستمرة، وقادم الأيام كفيل بكشف المستور!