أبطال الأطلس الكبير
يقترب المساء، وتنخفض درجات الحرارة لتصل إلى الصفر مائويا، أو تنزل إلى ما دون الصفر، فالليل في الشتاء طويل وبارد جدا، هنا بين قرى الأطلس الكبير في المغرب.فوراء هذا المشهد المناخي في الأطلس الكبير، أعلى سلسلة جبلية في المغرب، سكان من المغاربة، لهم قصص "أبطال بل مجد"، لأنهم يمارسون ما أسميه "فكا ذاتيا للعزلة"، بما تيسر من الإمكانيات البسيطة، تحت درجات حرارة متدنية، ويحولون قليلا من مال إلى "معجزات صغيرة" بين قمم الجبال التي تثلج هذا العام، بشكل غير اعتيادي.
تتوقف النقاشات التقليدية، التي تثير ضجيجا كبيرا في الرباط، هنا الحكومة والبرلمان والأحزاب والجرائد الورقية والصالونات، لا وجود لها، هنا الحسابات الانتخابوية لا وجو لها، وهنا ما أسميه بـ "المغرب الصامد" في وجه الظروف المناخية القاسية"، هنا نساء ورجال وأطفال يفرحون من القلب، عندما تأتيهم زائرا، لأنهم لا يتقنون إلا "لغة الحب الأصيل"، هنا صفر درجة على مؤشر النفاق الاجتماعي.
فخلال أسبوع، جمعتني جلسات طويلة، مع "مغاربة الأطلس الكبير"، كان الشاي والخبز وزيت الزيتون، مداما للجلسة، ونسجنا خيوطا على وزن المحبة، واستمعت لقصص عميقة في بساطتها، لـ "تجارب ناجحة" في التنمية البشرية والذاتية، وسط ظروف طبيعية ومناخية وطرقية غير مواتية، إلا أن للسكان في هذه المناطق "إرادة من أصلب المعادن".
إن الطرق البرية التي توصل إلى أبطال المغرب في الأطلس الكبير، ليست سهلة المناولة، إلا أنها تظل رحلة ممتعة، رغم تأثيرها بالإرهاق على الجسد، وتستحق مع ذلك كل العناء، لصلة الرحم مع "مغاربة استثنائيين"، ينتظرون الثلج، ليحمل لهم زوارا، يحبون التزحلق على البياض البارد جدا، وينتظرون طاجينا من لحم وخضار وبخار، وينتظرون أيضا بين القمم أول شمس الربيع، لينزلوا إلى الوديان في السفوح، ليستمروا في مهنهم البسيطة، مع السياح الداخليين من المغاربة، إنها "تنمية بشرية ذاتية ومستمرة".
لا يمكن للمغربي أن يعرف ماذا يعني أن تكون مغربيا اليوم، بالاستمرار في شرب فناجين القهوة كل صباح قبالة البرلمان في الرباط، أو التقاط صور السيلفي مع السياسيين والبرلمانيين، ولا الدفاع في قاعات مكيفة في البرلمان أو الفنادق المصنفة عن المغاربة.
ففي قراءتي، أن تكون مغربيا اليوم، معناه في تقديري الشخصي، أن تركب السيارة وتتركها تقودك إلى الأعالي، ولو مرة واحدة في العام، حيث الشموخ ممارسة يومية، وحيث الصدق عملة رائجة، وحيث المحبة مجانية، والابتسامة من الكبير قبل الصغير صادقة، وحيث للمغرب معنى آخر، انقرض من مدن النفاق منذ عقود.
{facebookpopup}