التعليم العالي لمن أدى ثمنه والشهادة للجميع.. جامعتنا إلى أين؟

التعليم العالي لمن أدى ثمنه والشهادة للجميع.. جامعتنا إلى أين؟

من خلال هذه الافتتاحية سأحاول إجراء مقارنة سريعة بين الإمكانات المادية التي نملكها في جامعتنا بدعم من الوزارة الوصية أو نتيجة مداخيل التكوين المستمر وبين ما تنتجه من بحث علمي داخل مؤسساتها. مقالات كتبت وقصص نشرت على صفحات المواقع الإلكترونية والجرائد الورقية تكشف سيلا من الفضائح التي برزت بشكل فاضح وسط الحرم العلمي لجامعتنا، ومع ذلك لا حياة لمن تنادي..

يا سادة! التجاهل كما يبدو وترك الأمور على ما هي عليه بات منهجا متبعا لإجلاء الأنظار عن تلك البقع السوداء في وجه متجرنا العلمي عفوا مؤسستنا للتعليم العالي.. وفي ظني وظن الغالبية العظمى من متابعي ما يدور وراء أسوارها، لا نرى في التغاضي والتستر على مستهتري العلم حلاً ومعالجة للمشكلة، بل نرى تسويفاً واستهانة بالحق العام، يتجسَّد في إرسال رسائل مبطنة متفاوتة للمتتبعين؛ أولاها تقول للسارق العلمي لا تقلق فنحن سرقنا العلم قبلك، وثانيها تقول لمن تسوِّل له نفسه اتباع نفس المنحى مرحباً بك في اتباع الركب، أما ثالثها فتؤكد لأولئك الشرفاء ممن أعياهم وجود الفساد بينهم أن مسؤولي جامعتنا يوجهون لكم رسالة "انخرط في سوقنا التجاري للعلم أو غادره لمؤسسة جامعية أخرى".

قرائنا الاوفياء، الفضائح العلمية التي التصقت بجامعتنا كثيرة ولا يمكن حصرها في بضعة أسطر هذه الافتتاحية، من تزوير للنقط، تلاعبات في لوائح الناجحين في امتحانات الماستر والدكتوراه، تحرش جنسي… فضائح أخرى أيضا بنفس الإطار في مقدمتها تحول بعض المختبرات العلمية إلى متاجر تنتج شواهد كرطونية لمن يدفع أكثر، والحقيقة التي على المسؤول أن يعيها حول ما يحدث من فساد في البحث العلمي، أن ذاك التلاعب لم يكن ليحدث وبشكل فاضح لو وجدت سياسات وأنظمة معلنة توضح ما لكل الباحثين من حقوق وما عليهم من عقوبات عند التقصير، فالخداع لا ينتهي ولا يتوقف من خلال نشر أبحاث معطوبة ومباعة ومزيفة تسيء لسمعة الوطن، بل يصاحب ذاك التلاعب على الأغلب إهدار لأموال الدولة في استراق أموال من ميزانيتها لدعم أبحاث فاسدة ثبت فيما بعد نسخها لمضامين بشكل جزئي أو شبه كلي من مصادر أخرى دون الإحالة عليها. ومن المؤسف أن تكون تلك الأبحاث المضروبة قد ساهمت في ترقيات البعض أو توليهم مناصب قيادية أو حتى إكسابهم جوائز وتقديرات لا يستحقونها، وبالمقابل لم يكن بالإمكان كشف هذه الفضائح في الأوساط العلمية في إطار حملة التستر المستديمة لدرء كل ما يمكن أن يشوه الصورة الجمالية الرائعة لتلك الجهات. فهل يستحق من نال نقطة 6 على 20 في امتحان ولوج الدكتوراه أن يكون أستاذا جامعيا غدا لتدريس أبنائي بعدما يتم خياطة منصب مالي له على المقاس؟ بالطبع فالإجابة جاءت على لسان أحد أساتذتي الأفاضل التي قالها لي في دردشة بعد انتهاء حصتنا الدراسية بالرباط "فاقد الشيء لا يعطيه".

يا سادة العلم ببلادنا! إن الواقع الذي تعيشه جامعتنا اليوم واقع كارثي جلل يدعو للألم والحزن والحسرة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، واقع يحتاج إلى تدخل جريء وحكيم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعيدا عن الإصلاح الارتجالي المسلوب الإرادة والضمير، الإصلاح "الموجه" لصالح فضائح تسرق مبادئ الوطن والأمة وتنتج جيلا معطوبا فارغ المحتوى بشواهد كرطونية لا تسمن ولا تغني من جوع لحملها بصمة جامعتنا المرتبطة بالفضائح العلمية.

إننا يا أهل العلم في مملكتنا! نحتاج الإصلاح الهيكلي لا الروحي لتجميل الصورة "الممزقة أصلا"، حتى أضحت الجامعة اليوم عندنا "هيكلا بلا روح"، وإذ تزخر الجامعة بالهياكل الضخمة ذات الهندسة المعمارية البديعة التي تأسر لب العاقل وتأخذه به ويزيدها موقعها الإلكتروني البراق الذي يكشف العدد الضخم للمختبرات والتكوينات بأسماء وتيمات تشده والجها، إلا أنها تفتقر إلى جوهر حقيقي في ظل خواء تام للروح الأصيلة التي أسست من أجلها الجامعة التي هي مناط رجاء جميع شرائح المجتمع، حيث عمد مسيرو الجامعة عندنا للأسف الشديد إلى النأي بها عن تفعيل دورها التي وُجدت له فأُبعدت عن مسؤولياتها الحقيقية التي تناط بالأمة اليوم أكثر من أي وقت مضى، فضُيعت العقول وسُممت النفوس بالبهرجة وحُصر دور الجامعة في شيء واحد ووحيد اسمه "كارطونة شهادة نهاية التخرج" بشعار مرفوع يعرفه الجميع وهو "التعليم العالي لمن أدى ثمنه والشهادة للجميع"، على حساب اللب والجوهر والتشبع بالأفكار القيمة النبيلة التي هي أساس بناء الإنسان ككل.

فبعد أن كان الولوج للجامعة والحصول على شهادتها للإجازة او الماستر او الدكتوره ذو قيمة ومعنى لا يصل إلى "خطبة وده" إلا كل مجتهد، أضحى منذ عقد من الزمن حصانا سهل الركوب لكل كسول "مطرود" من الحياة الجامعية خاصة بالنسبة للذين يتوفرون على وساطة أو غطاء حزبي أو لسان طويل لنقل الأخبار او لسان للعق الأحذية، وهو أمر يجعل مصداقية البحث العلمي في جامعتنا على المحك سواء في الداخل أوالخارج ، حيث التشكيك في حقيقة شواهدها واهتزاز صورتها بشكل يصعب معها إعادة بريقها في الوقت الراهن….. ولنغوص في واقع جامعتنا اليوم ونستجلي بعضا ممن علق بها من نجاسة اللهف والغش والخداع والسعي وراء المداخيل المادية دون إنتاج علمي. لا يمكنني إلا أن أقول لقرائنا الأوفياء…عزائكم وعزائنا واحد في تعليمنا العالي!!!!