تحرير العقول..

تحرير العقول..

ندين، نستنكر، نشجب، نطالب.. كلمات من قاموس أضحى يؤثث خطابنا في كل مناحي الحياة، و إن كان عمق الحمولة اللغوية و السياسية لهذه الكلمات إيجابي،

 و معبر عن مرحلة متقدمة لممارسة حرية التعبير، و حق الانتقاد و الاختلاف، فإن ذلك لا يمنع من التساؤل بعفوية عن توظيفها.

في البيت، كما المقهى، أو محل العمل، أو الجامعة، أو وسائل الإعلام، نصادف عشرات الأحداث، تنتزع منا تعليقات رافضة، مرحبة أو ساخرة، لكن هل يتم استحضار دواتنا العاقلة، الواعية عند مقاربة هذه المواضيع ؟

طلبنا تحرير الملك العام و الأرصفة التي تحتلها المقاهي، فهل تبادر إلى ذهننا أن من يتسابق إلى الطاولات الأولى على الأرصفة مواطنون، قد يلوكون موضوع الاستغلال البشع للرصيف عشرات المرات في جلساتهم؟

نلعن غياب النظافة و تقاعس القائمين على تدبير الشأن المحلي، فهل نتذكر بأن من تستهويهم لعبة القط و الفأر مع شاحنات شركة النظافة هم أيضا مواطنون، يرمون أكياسهم البلاستيكية بصفاقة في أركان الأزقة و الشوارع؟

نستنكر أن يدبر الشأن العام للمدينة منتخبون دون المستوى، و نتناسى بأننا من حملهم إلى دفة التسيير إما بالانتخاب أو بالمقاطعة.

نشجب اختلال الوضع البيئي و نلعن أمهات القائمين على حمايته، و في نفس الوقت، لا نبذل مجهودا لوقف النزيف.

نطالب باحترام المعاقين، الحوامل، والأطفال، و نزاحمهم أمام أبواب الإدارات و في مقاعد الحافلات.

نعبر عن اشمئزازنا من ترييف المدينة وانتشار للدواب، و نتناسى بأن جيرانا لنا من يعقلون دوابهم داخل أحياءنا السكنية دون ردة فعل منا.

أجل يا سادة، لست بصدد التعميم، و لا تحميل المسؤولية لأطراف دون أخرى، لكنها حقيقة مرة، بأننا نتكلم عن كل شيء، إلا عن سلوكنا و عن مسؤوليتنا و لو بالصمت، و لو بغض الطرف، و لو بالاستكانة للتعليل الجاهز " بلاد كي دايرة".

عوض حملات لا تنتهي لغرس الأشجار، فلنغرس الأفكار في العقول، و عوض جمع النفايات في الأزقة فننظف عقل من لا يفرق بين حاوية أزبال و رصيف، و عوض انتقاد تدبير الشأن المحلي فلنحضر دورات المجلس الجماعي، و نعد العرائض حول المشاكل المطروحة، و عوض النظر بدونية إلى العشرات من أطفال الشوارع يتسولون خبزا وكحولا، لنؤسس جمعية تمكنهم من "صنعة" و مأوى، و عوض أن نراقب بكسل و خمول الحملات الانتخابية و نجتهد في توصيف أحوالها، فلنساهم كمرشحين و ناخبين بصنع الخيارات التي نؤمن بها، و عوض أن نجتهد في انتقاد أحوال  المدرسة فلنقم بدورنا التعليمي داخل مؤسسة الأسرة…

يا سادة، عوض أن نجتهد في توصيف الظلام و لعنه فلنشعل شموعا، تنير الدرب، وعوض تحميل الآخر المسؤولية ، فلنتذكر أن الآخر بصورة أو أخرى هو نحن.

يا سادة نحن في حاجة ماسة إلى تحرير العقول من الكسل و الخمول، علها تنطلق بنا إلى واقع أفضل..