الكرابة من إطفاء عطش الناس صيفا إلى التسول شتاء
يجوب شوارع وأزقة المدينة القديمة، بملابس مزركشة يطغى عليها اللون الأحمر، وقبعة من الحجم الكبير تحجب عنه أشعة الشمس الحارقة صيفا، كما تقيه من التساقطات المطرية شتاء، حاملا "قربة" جلدية على ظهره مليئة بالمياه، وفي يده اليسرى ناقوس، اقترن صداه بمهنة "الكراب" أو "الساقي" لأنه يطفي عطش الناس بأواني نحاسية، في حين يده اليمنى موضوعة دوما على صنبور "الكربة"..
هي مهنة "الكراب"، الآخذة في التلاشي والزوال في يومنا الحاضر، بعدما كانت حرفة مغربية بامتياز، استطاعت أن تجد لنفسها متسعا رحبا في الثقافة المغربية، حيث بات حضورها مقتصرا على بعض اللوحات التشكيلية لفنانين؛ أصروا أن يخلدوا شخصية مغربية فذة في الحياة اليومية للناس؛ وكدا الصور الفوتغرافية المنتشرة في محركات البحث للأنترنيت، بالإضافة إلى بعض الملصقات الإعلانية لجذب السياح..
يحرص "الكراب" على ارتداء زيه الرسمي أثناء أداء وظيفته، قد يبدو غريبا نوعا ما، لكنه يصر على الظهور به، بعدما تجاوزت شهرته الحدود وأصبح في كل صورة يلتقطها السياح الأجانب، بالإضافة إلى أنه كان موضوعا آثار الأنتربلوجين الفرنسيين على الخصوص أيام الحماية.
وكان الاعتقاد في السابق يقول، بأن ماء "الكربة" يجلب البركة والسعادة، فتسمع صدى أجراسه في الأماكن المزدحمة في أيام الصيف الحارة، التي يلقى فيها إقبالا من طرف الصغير والكبير، لكن الذي أثارنا ونحن غيورون على هذا الموروث الثقافي المغربي، هو أن يلجأ بعض "الكرابة" حاملين "كرابي" خالية من المياه إلى التسول من المارة، بعدما ضاقت بهم شوارع وساحات المدن الشهيرة لمدينة الرباط، وامتنع الناس عن طلب قدح أو اثنين من مياههم "المباركة" بسبب برودة الطقس.
يمر "الكراب" بأيام عصيبة في فصل الشتاء ويدخل في عطالة تسبب له أزمة اجتماعية ونفسية كبيرة، ما يدفعه إلى طلب العون من الناس لعلهم يجودون عليه بما تيسر، بعدما كان له دور بارز في السابق عندما لم تكن هناك حنفيات، إذ كان يقوم بنقل المياه إلى المنازل، في فصل الشتاء، وصيفا يجول في الشوارع والساحات يروي عطش الناس، كما أن ظهور مجموعة من الأمراض المعدية جعل الجميع يمتنعون عن تشارك نفس القدح.
{facebookpopup}