مستشفى الرازي للطب النفسي ببرشيد يعيش سكرات الموت وسط صمت قبور المسؤولين
بعد أن كان مستشفى الرازي للطب النفسي ببرشيد، الذي تأسس سنة 1918 سنوات بعد الاحتلال الفرنسي، “جنة خضراء” سنوات الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وارتبط اسم مدينة برشيد بهذا المستشفى الكبير الذي كان يحتل المرتبة الأولى إفريقيا، حيث كانت طاقته الاستيعابية تتجاوز 2000 سرير، وحقق عبر سنوات إشعاعا جهويا ووطنيا وقاريا، وكانت مساحته تضم أكثر من 52 هكتارا، وكان يضم 27 جناحا، وكل جناح به ما يقارب المائة نزيل، ينحدرون من جل المدن المغربية، وكان من بين النزلاء كذلك بعض العرب من الجزائر ومصر والعراق. وقد لقي هذا المستشفى شهرة وطنية ودولية، وكان يعمل به مئات الموظفين والمستخدمين وطاقم طبي جله من فرنسا، حيث
كانت تقام به التحليلات والتشريحات… بات اليوم يعيش واقعا مؤسفا، انطلقت بتقليص مساحته من 10 هكتارات إلى عدة أوعية عقارية تم منح معظمها لإدارات عمومية أخرى.
وتخصيصها لفائدة إدارات أخرى، ولم يقف المشكل عند هذا الحد، بل أصبح الوضع مزريا، فأينما وليت وجهك إلا ويسترعي انتباهك الشقوق في الجدران والركائز الاسمنتية المتآكلة والتصدعات في الخرسانة، وكأنه بناية في مدينة تشهد حروب أو أصابته هزة أرضية لزلزال مدمر، في المقابل تآكلت التجهيزات ما جعل عدد الأسرة يتراجع من 240 سرير نظري إلى 185 سرير وظيفي، أي أن حوالي 55 سرير متآكل وبدون أفرشة أو تجهيزات، علما أن الوزارة تصرف ميزانية بحسب العدد النظري، إضافة إلى التراجع الملفت للأطر الصحية نتيجة هجرتها وتفضيلها اللجوء للقطاع الخاص فمنهم من قدم استقالته، ومنهم من لم يتوقف عن الإدلاء بالشواهد الطبية بشكل جماعي (3 طبيبات) بتنسيق محكم في وقت واحد أملا في قيام وزارة الصحة بطردهم من العمل لفتح عيادتهم الخاصة، بعدما تبين للوزارة على هامش زيارة للمدير الجهوي للصحة، أن القيام بالكشف المضاد أتبث أن غياب الأطباء عن العمل غير مبرر وأطلقت الوزارة العنان لتفعيل مسطرة عدم الالتحاق بالعمل وهو ما كان يأمله الأطباء المذكورين، وهو الأمر الذي أثقل كاهل الطبيب المدير بالنيابة، الذي ظل يمارس مهمة مدير بالنيابة منذ تسليمه المسؤولية في 15 يونيو 2023 إلى حدود كتابة الأسطر دون تعيين رسمي، حيث يقوم بالاستعمالات والاستشارات الطبية الخارجية، وتجديد الوصفات الطبية، ويسهر على التدبير الإداري للمؤسسة، وتأمين الخدمات للنزلاء، فضلا عن القيام بالخبرات الطبية المطلوبة من لدن المحاكم….
في ذات السياق، إن ما يعقد ويفاقم من أزمة مستشفى الرازي للطب النفسي ببرشيد هو جعله في وضع يقدم خدماته على الأقل لإقليمين متمثلين في سطات وبرشيد، بينما على المستوى القضائي فتمتد رقعة خدماته لتشمل أقاليم الجديدة وخريبكة وبن سليمان وبوزنيقة، إضافة إلى إحالة النيابة العامة بمختلف محاكم المملكة لمرضى نفسانيين آخرين في حالة اعتقال على نفس المستشفى وصل إلى 23 شخص، دون الحديث عن مراسلات التوجيه المحررة من العديد من المتدخلين، والتي تفتقر لعدد من التفاصيل والمعطيات حول هؤلاء المرضى، فضلا على غياب تواصلهم مع إدارة المستشفى…
في سياق متصل، إن هذه المعلمة الصحية التراثية والتاريخية، تشقى بشتى المحن، وتحوي مشاكل بالجملة لا يكفي هذا المقال لسردها، مما يجعل الوضع كارثيا بهذا المستشفى الذي يتطلب التدخل الفوري للوزارة الوصية لاتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة من أجل إنقاذه قبل أن يتعرض لسكتة قلبية تؤدي إلى اعدام خدماته. فهل من آذان صاغية؟