دورة “زيدني ونزيدك” لتوزيع المنح من أموال دافع الضرائب المحلي …
بصمت دورة ماي للمجلس الجماعي لمدينة سطات، على نهاية غريبة أو على الأقل غير متوقعة في ظل تحول جلستها الخاصة بالمصادقة على توزيع المنح لفائدة الجمعيات، إلى "رحبة" توزعت النقاشات والاقتراحات داخلها على أعضاء المجلس والحضور الغفير الذي لم يفوت الفرصة للمساهمة في هكذا نقاش، في سابقة في تاريخ المجالس الجماعية على المستوى الوطني.
من ناحية قانونية صرفة يمنع على الحاضرين لدورات المجلس تناول الكلمة أو التدخل أو حتى الحديث تحت طائلة تهديد القانون بالطرد من القاعة، حتى أن رجال الاعلام هم "رهينو" موافقة الرئيس على الحضور والتصوير حسب القانون الداخلي للمجلس الجماعي.
لكن منطق الحاضرين وهم في أغلبهم فعاليات من المجتمع المدني مغاير تماما، مع استحضار وجود رؤساء لجمعيات من المنتظر أن يكون لها النصيب الأوفر من كعكة المنح، في عضوية المجلس وأجهزته، وبالتالي فهم متخوفون من أن ينسى سعادة المستشار المحترم أنه يمثل كل السكان وكل الجمعيات، و"ياكلو فمو" على مصلحة جمعيته، خصوصا وأن العملية رياضية صرفة: "انقص من منحة الجمعية الفلانية إن أردت الزيادة في منحة الجمعية العلانية" (زيدني ونزيدك).
بين هذين المنطلقين والقراءتين المتقاطعتين، انطلقت الدورة وانطلق السجال بإزاحة اقتراحات اللجنة التي صاغت المشروع الأولي تحت داعي عدم جدواها (افترض سياسيا). داخل القاعة راقبت الأعين كل حركات وسكنات المستشارين، وما إن يتم نطق اسم جمعية حتى ينتفض دفاعها من داخل الأعضاء ومنهم أعضاء بالمكتب الذي أحال الصيغة النهائية لتقرير اللجنة على دورة المجلس، تم تليه حالة جدب وصراخ هستيري وسط الحاضرين قبل أن يتطوع أحدهم لشرح وجهة نظر ممتل الجمعية أمام الدورة في تحد للرئيس والباشا وللقانون أيضا، وهنا لا أعتقد بأن المخالفة يجب أن تسجل على الحاضرين بل على رئاسة المجلس التي تساهلت مع هذه المداخلات حتى تحولت إلى نقط نظام ضرورية يستمع لها الجميع بعناية فائقة، ويتخذ قرار الزيادة في المنحة بناءا عليها، رغم أني أكاد أجزم بأن حدة صوت المتدخل ودرجة قربه من أحد مكونات المجلس هي المعيار الذي حدد زيادات في مبالغ المنح لبعض الجمعيات.
في موضوع دورة توزيع "الكعكة الجمعوية" لا يهمني كثيرا هذه "الشكليات" وهذه التناقضات والتي انفجرت بهذا الشكل أمام العموم لسبب بسيط هو عدم التفاهم القبلي وعمليات المحاصصة التي كانت تخضع لها من طرف الأعضاء داخل الغرف المغلقة، فتمت العملية على عينيك يا بن عدي …
ما يهم فعلا هو هذه المنهجية الخطيرة في التعاطي مع المال العام، وتوزيعه بهذا الشكل البشع، وضرب كل أشكال الحكامة والشفافية والاستحقاق عرض الحائط من طرف جميع المكونات، فعوض الترفع في التعامل مع ملف الدعم المالي بمنطق ضيق، كان من الاحرى تقديم رسالة قوية إلى المدينة من خلال فعالياتها الجمعوية، بأن دعم الأنشطة والبرامج الجمعوية هو شأن عام يخضع للحاجيات الدقيقة للمدينة على المستويات الاجتماعية والثقافية والرياضية.
لا يمكن بالباث والمطلق أن يستسيغ دافع الضرائب المحلي، أن توزع أمواله من طرف ممثليه بالمجلس بمنطق غير منطق الاستحقاق، ولا أعتقد بأن منحة المجلس الجماعي هي هاجس حقيقي يستحق النضال من أجله من طرف الجمعيات، ما يجب أن ينتبه له الفاعل الجمعوي بالمدينة هو خطورة قبوله لمنح مهما بلغت قيمتها تبقى زهيدة في ظل غياب المرافق الثقافية والاجتماعية والرياضية التي تعتبر الحاضنة الطبيعية لنشاط هذه الجمعيات، معركتكم يا سادة ضد كل أشكال تحقير الثقافة واعتبارها ترفا، أو امتدادا سياسيا وحزبيا، معركتكم هي ضد من يستخف بمجهوداتكم التطوعية على مدار السنة ويختزلها في دراهم سنوية تحت مسمى الدعم السنوي، معركتكم هي ضد من يعاكس قناعاتكم ومبادئكم ورهاناتكم على دور العمل الجمعوي كقاطرة للتنمية. وبالتالي فهي فرصة أمام الجميع منتخبين وجمعوين للجلوس على طاولة الحوار والنقاش من أجل وضع خارطة طريق محددة بالأهداف والوسائل، ويتم تعبئة الأموال اللازمة بشراكة مع من يعتبرون أنفسهم مقاولات مواطنة لتمويل مشاريع ذات بعد تنموي حقيقي.
هذه هي الرسالة التي يجب أن تصل، لا صور التهافت على دراهم الدعم والتي لا يمكن أن تغطي حتى مصاريف الوثائق الإدارية للجمعية وتجديدها.
نافذة:
الحضور الكثيف للمواطنين لدورات المجلس البلدي مؤشر مشجع على اهتمام المواطن بالشأن المحلي، لكن الغير مفهوم هو مقاطعة الفاعل السياسي، ومسؤولي الأحزاب بالمدينة لهذه الدورات رغم أنه من صميم مهامهم النضالية تتبع الشأن المحلي، وصياغة الاقتراحات والملاحظات على مختلف القضايا المطروحة، رسالة خاطئة للمواطنين أسابيع قليلة قبل موسم حجهم إلى منازلنا وتمسحهم بسحناتنا خلال موعد الانتخابات المقبلة.