تحالف المعارضة المغربية: هل هو ولادة جديدة لمشهد سياسي متجدد أم خطوة نحو الفشل المحتوم؟

تعيش الساحة السياسية المغربية على وقع دينامية جديدة مع إعلان أحزاب الحركة الشعبية، الحزب الديمقراطي الوطني، والحزب المغربي الحر عن قرب تشكيل تكتل وطني ثلاثي. هذه الخطوة تعكس قلقًا متناميًا داخل المعارضة من تراجع أدوارها مقابل استحواذ التحالف الحكومي على مفاصل القرار السياسي، وتكشف عن محاولة جادة لمواجهة حالة الانسداد التي تعرفها الساحة الحزبية، وتعزيز التوازن داخل المشهد السياسي الوطني.التكتل الجديد، كما أكدت قيادة حزب الحركة الشعبية، يسعى إلى تأسيس جبهة معارضة قادرة على خلق توازن حقيقي مع التحالف الحكومي القائم، في وقت يشهد فيه المغرب تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة تتطلب وجود معارضة قوية وفاعلة. ويهدف هذا التحالف إلى تجاوز خلافات المعارضة التقليدية، وتقديم بديل سياسي واقعي يلبي تطلعات الشارع المغربي، خاصة في ظل الانتقادات الموجهة للأغلبية الحكومية حول تفردها بالقرار السياسي وتهميش أصوات المعارضة.
محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، وصف هذه الخطوة بأنها استجابة لضرورة كسر حالة الركود السياسي وتعزيز العمل المشترك لمواجهة سياسات الحكومة التي وصفها بأنها تتسم بالاحتكار وتغليب المصالح الضيقة على المصلحة الوطنية. بدوره، إسحاق شارية، الأمين العام للحزب المغربي الحر، اعتبر أن التكتل الجديد ليس فقط رد فعل على الوضع السياسي الراهن، بل هو محاولة لإعادة التوازن إلى المشهد السياسي ولمواجهة مشاريع وصفها بأنها “تهدد القيم المغربية وتؤثر على استقرار الأسرة والمجتمع”.
غير أن هذا التكتل الجديد يواجه تحديات حقيقية تتعلق أساسًا بمدى قدرته على تجاوز خلافات الأحزاب المشكلة له، وخلق انسجام داخلي يسمح له بتقديم مشروع سياسي متكامل وواضح المعالم. رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، يرى أن مصير هذا التكتل مرهون بمدى تجاوز مكوناته لخلافاتها الداخلية، محذرًا من مصير مماثل لتحالفات سابقة فشلت في فرض نفسها كقوة بديلة بسبب غياب رؤية استراتيجية موحدة وآليات عمل واضحة.في المقابل، تبقى الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية في موقف مريح نسبيًا، مستفيدة من استقرارها الداخلي وقوة تمثيليتها البرلمانية، ما يجعل من مهمة التكتل الثلاثي معقدة وصعبة في ظل الخريطة السياسية والانتخابية الحالية التي تعزز موقع الحكومة وتضعف أي محاولة لتغيير موازين القوى.
إضافة إلى ذلك، تشير تحليلات سياسية إلى أن نجاح هذا التكتل لن يعتمد فقط على قدرته في حشد الأحزاب المعارضة، بل على مدى تفاعله مع مطالب الشارع المغربي وقدرته على طرح بدائل سياسية واقتصادية تعكس انتظارات المواطنين. فالشارع المغربي اليوم أكثر وعيًا وإدراكًا للتكتيكات السياسية التقليدية، ويتطلع إلى معارضة تقدم برامج حقيقية بدل الشعارات.
أما في الجانب التنظيمي، فيبدو أن هناك رغبة واضحة لدى مكونات التكتل الجديد في تجاوز الصراعات الداخلية السابقة، وهو ما ظهر جليًا في تصريحات زهير أصدور، رئيس التكتل الديمقراطي المغربي، الذي أشار إلى أن انضمام التكتل إلى الحركة الشعبية جاء بعد مشاورات عميقة بهدف خلق تحالف قوي ومتجانس يملك القدرة على المنافسة الجادة في الاستحقاقات السياسية المقبلة.
غير أن السؤال المطروح يبقى حول مدى قدرة هذا التكتل على الحفاظ على تماسكه الداخلي، خصوصًا في ظل تجارب سابقة لتحالفات سياسية انهارت تحت وطأة الخلافات حول المواقع والمناصب. كما أن غياب رؤية واضحة للبرنامج السياسي الموحد قد يجعل من هذا التكتل عرضة لنفس التحديات التي أسقطت تجارب مماثلة في السابق.وفي خضم هذه المعطيات، تتباين آراء المراقبين حول فرص نجاح التكتل الجديد، بين من يرى فيه فرصة حقيقية لإعادة التوازن للمشهد السياسي المغربي، ومن يعتبره مجرد تحالف ظرفي سرعان ما ستبدده الصراعات الداخلية والتنافس الحزبي التقليدي.
في النهاية، يبدو أن ولادة هذا التكتل الجديد تمثل لحظة فارقة في السياسة المغربية، بين رهانات النجاح وإكراهات الفشل. والشارع المغربي، الذي يعيش على وقع أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة، يترقب ما إذا كان هذا التحالف سيكون قادرًا فعلاً على خلق التغيير المنشود، أم أنه مجرد محطة أخرى في مسلسل التحالفات الحزبية العابرة التي سرعان ما تتلاشى تحت ضغط المصالح الحزبية الضيقة.
بقلم: أبو غيث