تقرير: عروس الشاوية تتلحف السواد بعد رحيل هرمها الأمني محمد حيلي.. فمن المؤهل لتدبير مرحلة بعد والي أمن سطات؟

تقرير: عروس الشاوية تتلحف السواد بعد رحيل هرمها الأمني محمد حيلي.. فمن المؤهل لتدبير مرحلة بعد والي أمن سطات؟

إنه رجل الظل بامتياز والصمت المطبق، اجتماعاته يومية وتعليماته لا تنتهي، رجل لا ينام، حظي بالكثير من الألقاب و النعوت، منها حكيم الجهاز الأمني، وأحد حماة الوطن في الخفاء، عين في بوابة الصحراء التي لا تنام، الرجل الكتوم الذي يفضل العمل في الظل، أحد صقور المحافظة على الأمن، الناجح في فك شفرات القضايا الأمنية المطروحة على طاولته، أحد كبار الكوادر الأمنية النادرة المتبقية في الجهاز الامني المغربي…هذه أبرز ملامح شخصية ضيف سكوب ماروك الذي انتقاه طاقم موقعنا ليسلط عليه الضوء، بعدما استطاع بتضحياته ونكرانه للذات على طول مساره المهني خلق طفرة أمنية في جميع المجالات الترابية التي تولى فيها المسؤولية خلال مساره المهني.

إنه "محمد حايلي" الذي تجاوز المفهوم الكلاسيكي المرتبط بزجر الجريمة، واعتقال المشتبه فيهم، والاعتماد على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهدفه تطبيق هذه الشعارات الجميلة على أرض الواقع، حتى يشعر المواطن المغربي بالأمن يحفه أينما حل وارتحل واقعيا.

وصفه المتتبعون لقضايا الأمن بالمغرب عامة والبيضاء وكلميم وخريبكة وسطات خاصة بصاحب الثورة الأمنية في البلاد، وقالوا عنه أنه ذو الكفاءة الأمنية العالية، مستشهدين بما راكمه الرجل بالمناطق التي اشتغل فيها راعيا للأمن، من انجازات ومبادرات خلاقة طوال مساره المهني الذي انطلق من حارس أمن مرورا عبر جميع أسلاك ودرجات الأمن وصولا إلى والي أمن مع وسام ملكي. استطاع تغيير صورة رجل الأمن بالشكل الإيجابي لتدبير الملفات الأمنية مسترشدا بالمذكرات التوجيهية للإدارة العامة للأمن الوطني.

سكوب ماروك قام بالنبش في أرشيف هذا الهرم الأمني الذي اضطر لمغادرة أسرة الأمن مع مطلع السنة الجارية بعدما أحيل على التقاعد رغم ما راكمه من انجازات متفردة وطنيا ومسار مهني حافل بالعطاءات، ليطرح التساؤل: من المؤهل  لقيادة سفينة ولاية امن سطات نحو بر الآمان في مرحلة بعد والي أمن سطات الذي خلف قرار إحالته على التقاعد حزنا لدى أسرة الأمن خاصة وساكنة عروس الشاوية عامة؟

بداية الوظيفة … أول امتحان على المحك

بعد تخرجه مباشرة، كانت وجهة "محمد حايلي" في سنة 1976، بعد تعيينه بسلك الشرطة ليشغل عدة مناصب بمدينة البيضاء، تقلد من خلالها جميع المصالح الأمنية المعروفة من شرطة قضائية، أمن عمومي، مديرية الموارد البشرية، قبل أن ينتهي به العمل الأمني بالبيضاء برتبة عميد مركزي بالدائرة الأمنية للحي الحسني عين الشق.

بوابة الصحراء المغربية…ظهور الصقور وفرقة الخيالة والحواسيب لأول مرة

في سنة 2002، حط "محمد حايلي" الرحال ببوابة الصحراء المغربية مدينة كلميم، التي فجر بها كل تجربته التي راكمها  بالبيضاء، عاملا منذ أن وطأت رجله تراب الصحراء المغربية التي كانت تدخل مدن كلميم وطانطان وطانطان الميناء ضمن نفوذه الأمني على وضع مخطط استراتيجي عبر مراحل استهله من خلال إعادة توزيع العناصر البشرية الأمنية واضعا الرجل المناسب في المكان المناسب والتي لقيت استحسان كبير بين جميع الفعاليات الأمنية بالمنطقة، قبل أن ينتقل نمطه التدبيري في مرحلة ثانية إلى ماهو لوجيستيكي عبر توفير المركبات الأمنية من سيارات ثم دراجات الصقور كأول تجربة على المستوى الوطني، حيث يعود له الفضل في اقتراحها على المدير العام للأمن الوطني حفيظ بنهاشم أنداك ليتم خلقها كعينة نموذجية بكلميم قبل أن يتم تعميم التجربة وتنطلق شعلة الدراجين على باقي التراب الوطني.

كما عمل "حايلي" على وضع تشخيص تضاريسي للمنطقة، ارتأى من خلاله ضرورة خلق دوريات للخيالة نظرا لطبيعة التضاريس الوعرة المميزة للمنطقة أملا في وصول وتعميم الأمن إلى آخر نقطة من نفوذه الأمني.

انتقل "حايلي" في مرحلة ثالثة إلى تجديد وسائل المعالجة النظرية التقليدية للشكايات والمراسلات والمحاضر، بعدما استبدل آلات الرقن الكلاسيكية إلى حواسيب كأول مبادرة وطنية جعلت المدير العام للأمن الوطني يستشهد بمراسلات كلميم كعينات نموذجية من حيث الجمالية والتصفيف والمضمون. ليختم "حايلي" مساره المهني بكلميم بتجفيف جميع منابع المخالفات الجنحية والجنائية والتهريب، حيث باتت ساكنة المنطقة تتناول اسمه في جميع مجالسها أثناء اعداد الشاي المشهور بالمنطقة كمسؤول مواطن استطاع بحصافته وعمله الميداني وأخلاقه الرفيعة خطف الأضواء في المنطقة.

بؤر ملتهبة استدعت تعيين "حايلي" بخريبكة

في سنة 2004، حل "محمد حايلي" بمدينة خريبكة التي كانت معروفة بالعديد من البؤر الملتهبة والنقط السوداء من قبيل تجارة الكوكايين، الهجرة السرية، تزوير السيارات وأوراق الهجرة والعملة الصعبة، حيث تقلد منصب رئيس الأمن الإقليمي، مسترسلا في عمله وتفانيه الأمني بنهج استراتيجية من نوع آخر عبر تحديد خريطة أمنية للمواقع السوداء وتدوين لائحة بالأسماء لأهم المشتبه فيهم بالمنطقة، حيث جرى تتبعهم في إطار حملات امنية استباقية سرا قبل أن تتم الإطاحة بالعديد منهم عبر عدة محطات متفرقة جعلت من مدينة خريبكة تسير على خطى العمل الأمني الذي زرعه ببوابة الصحراء المغربية مدينة كلميم.

من نائب والي الأمن إلى رئيس وحدة "البلير"

في سنة 2006 تم تعيين "محمد حايلي" رئيس وحدة تنسيق اللواء الخفيف "البلير" في أول تجربة لهذه الفرقة على صعيد التراب الوطني بعد تعيين مدير عام جديد للأمن الوطني متجليا في "الشرقي ضريس"، حيث تم استدعاء "حايلي" إلى الرباط لتنصيبه في المهمة الجديدة بالبيضاء التي كانت له تجربة بها بعد تخرجه من سلك الشرطة مباشرة.

التجربة المقرونة بالكفاءة تقود "حايلي" إلى منصب والي بالنيابة

تطبيقا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة المتعلقة بضرورة تخليق المرافق العمومية على أسس النزاهة والكفاءة، ومعايير النزاهة والإخلاص في العمل، والتجربة المقرونة بالكفاءة، وضرورة احترام مبدأ قضاء مدة أربع سنوات كسقف للعمل في نفس المنصب، وبمجرد تعيين الجنرال حميدو لعنيكري مديرا عاما للأمن الوطني خلفا لحفيظ بنهاشم، قام بإحداث تغييرات كبيرة على رأس الجهاز، أبرزها إعطاء فرص أكبر لذوي التجربة والكفاءة لتحمل المسؤولية، وكان ضمن هذه الأطر محمد حايلي، حيث تم على صعيد ولاية أمن سطات تعيين المراقب العام محمد حايلي واليا أمنيا على سطات بالنيابة سنة 2008.

"حايلي" يدخل الشاوية ورديغة من بابها الواسع

دخل "محمد حايلي" إلى مدينة سطات عاصمة الشاوية ورديغة ليتربع على منصب والي أمن جهة الشاوية ورديغة بعد تعيينه سنة 2012، لينال شرف أعلى رتبة أمنية بجهة الشاوية ورديغة سابقا، استمر في هذا المنصب إلى حدود يومنا هذا رغم وصوله لسن التقاعد إلا أن تجربته وتبصره الأمنيين دفعت الإدارة العامة للأمن الوطني في شخص مديرها العام عبد اللطيف الحموشي إلى عدم الاستغناء عن خدماته والتمديد في مدة اشتغاله لمرتين بما فيه خير لمصلحة البلاد والعباد.

بادر "حايلي" إلى تأسيس وحدة العلوم الأمنية و تدبير المخاطر بشراكة مع جامعة الحسن الأول والتي قامت بتخريج أفواج أمنية ذات كفاءة استفادت من البعد النظري للتكوين الأكاديمي لتعود إلى مدرسة ولاية امن سطات لتستفيد من خبرة حكيم ولاية أمن سطات من حيث التواصل والصرامة في العمل وعدم التساهل و اليقظة  والإنصات وتفعيل مفهوم التدخلات الاستباقية…

إلتفاتة مولوية وتوشيح ملكي

بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس الأمن الوطني على يد الراحل جلالة المغفور له محمد الخامس، وشح "محمد حايلي" بوسام الشرف الملكي من طرف وزير الداخلية بحضور عبد اللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني بعد حوالي 40 سنة من الخدمة والعطاء خدمة للوطن والمواطنين على حد سواء. فجل المتتبعين للشأن الأمني بالمغرب والذين اعتبروا الحاج محمد حايلي من الأطر الأمنية العالية الكفاءة، وأحد الكوادر الأمنية النادرة المتبقية في جهاز الحموشي، حيث جال في شرايين جهاز الأمني المغربي بجميع أسلاكه ومصالحه.

انجازات كما وكيفا تشهد على مسار أمني حافل بسطات

نتسهل جولتنا لإنجازات "محمد حايلي" المختصرة من خلال الأرقام التي توضح بجلاء  انخفاض في الجريمة خلال الفترة الممتدة من 15 ماي 2015 إلى حدود 20 مارس 2016 بنسبة 20 بالمائة كما أن نسبة الزجر في نفس الفترة عرفت ارتفاع بنسبة 20 بالمائة وهو على رأس ولاية أمن سطات، حيث تم توقيف 2834 مبحوث عنه بموجب مذكرات بحث وطنية كما تم الحد من مختلف انواع الجريمة سواء الماسة بالأشخاص أو الاخلاق أو الممتلكات أو النظام العام وجرائم المخدرات بما مجموعه 14114 قضية منجزة علاوة على إحالة 15100 شخص على العدالة. نوع القضايا الواردة والمنجزة في سنة 2016، متوزعة بين الجرائم الماسة بالأشخاص 3173، الجرائم الماسة بالأسرة 607، الجرائم الماسة بالأخلاق 2705، الجرائم الماسة بالممتلكات 3512.

أمام على مستوى البنى التحتية فقد دشن "محمد حيلي" بحضور وفد رفيع يوم الاثنين 18 نونبر 2013 الذي يخلد ذكرى عيد الاستقلال خروج بناية ولاية امن سطات في حلة جديدة تستجيب لتطلعات الزوار من المواطنين  وكذا الأمنيين المشتغلين داخلها من خلال قاعة مطالعة ومكتبة، صالة رياضة، أقسام طبية، قاعة مواصلات، مكاتب مريحة، قاعة إعلاميات … بالإضافة لتجديد أسطول وسائل التنقل والتدخل الأمني الميداني من سيارات بأنواعها ودراجات نارية رباعية العجلات خاصة بالتضاريس الوعرة ودراجات نارية ثنائية العجلات…

انجازات أمنية متفردة وطنيا سجلت براءة  خلقها في اسم "حايلي"

يرجع الفضل في ظهور دراجات الصقور كأول تجربة على المستوى الوطني إلى "محمد حايلي" التي سجل باسمه براءة خليقها، بعد اقتراح منه إلى المدير العام للأمن الوطني حفيظ بنهاشم ليتم خلقها كعينة نموذجية بكلميم سنة 2002، الذي كان يشغل بها منصب عميد إقليمي قبل أن يتم تعميم التجربة وتنطلق شعلة الدراجين على باقي التراب الوطني.

كما يرجع له الفضل والبراءة في ظهور الرقن والمعالجة النصية العصرية للشكايات والمراسلات والمحاضر بعدما استبدل آلات الرقن الكلاسيكية إلى حواسيب كأول مبادرة وطنية جعلت المدير العام للأمن الوطني يستشهد بمراسلات كلميم كعينات نموذجية من حيث الجمالية والتصفيف والمضمون.

هذا وقام "محمد حايلي" بإدخال تنقيط أرقام بطائق التعريف الوطنية على الناظم الآلي المتنقل كأول تجربة وطنية تم تطبيقها بمدينة سطات وهو على  رأس ولايتها.

على السبيل الختم…

في كثير من الأحيان تعجز اللغة واستعاراتها اللفظية من وصف إنجازات إنسان قدم خدمات كثيرة وجليلة لأسرة الأمن خاصة والمواطنين المغاربة عامة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بجوهرة حقيقية نادرة بما تعنيه الكلمة من معنى، لأتحسس كما سيتحسس الكثيرون مثلي بثقلها بعد تقاعد "محمد حايلي" مع مطلع السنة الجارية بعدما تم تمديد مدة اشتغاله لثلاثة مرات متتالية رغم وصوله لسن التقاعد. فمن أكثر العناصر إثارة للجدل والغموض من سيتولى زمام الأمور الأمنية بسطات خاصة بعد أن ينتقل التقطيع الأمني من تسمية "ولاية أمن سطات" التي ظلت لصيقة بفارس الشاوية "حيلي" إلى مسمى آخر يتجلى في"الأمن الاقليمي بسطات"؟

تولى مهمة قيادة سفينة أمن عروس الشاوية حاليا  الوالي "عبد المجيد الشواي"، بعدما كانت عدة أسماء مرشحة لتولي المنصب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويتردد على أفواه ساكنة المدينة ماذا بعد مرحلة "محمد حايلي"؟ خاصة أن الجهاز الامني للحموشي توسم في "محمد حايلي" بعد تمديد تقاعده لثلاثة مرات تكوين جيل من أمثاله كفيل بحمل المشعل في تدبير الملفات الأمنية لأن "محمد حايلي" مشهود له بالكفاءة والاستقامة واليقظة وتحديث استراتيجياته الاستباقية لمكافحة كل الظواهر الشاذة التي من شأنها تهديد استتباب أمن المواطنين، وهو الشيء الذي تأتى بعد مسيرة مهنية طويلة، حيث باتت ولاية أمن سطات تتوفر على أطر لها من الكفاءة ما يجعلها مؤهلة لتقلد المنصب خلفا له، لكن هل ستستمر الوضعية الامنية المستقرة بعد تقلد خلفه الوالي "عيد المجيد الشواي" مهام قيادة سفينة ولاية أمن سطات؟