ربورطاج: عاشوراء بجهة البيضاء سطات بين تقاليد العائلة وطقوس الجاهلية.. ممارسات دخيلة من الدجل والبلطجة واشعال الحرائق تزحف على الاحتفالية
تحيي ساكنة جهة البيضاء سطات احتفالها بمناسبة عاشوراء التي تصادف العاشر من شهر محرم من كل سنة هجرية، عن طريق مجموعة من العادات والطقوس توارثوها عن الأجيال السابقة دون معرفة سياقها ولا معانيها تتوزع ما بين المباح والبدع والمحرم. وإذا كان مجموعة من التجار يستغلون المناسبة ويجدونها فرصة سانحة للكسب عبر بيع الفواكه الجافة وألعاب الأطفال والحناء والطِّيب، فإن الأطفال يجدونها أياما للعب واللهو وتخريب الأشجار وحاويات النفايات وإن كان عبر تعريض حياتهم وحياة الآخرين لخطر الحروق والموت وفقأ الأعين، فيما تستعد بعض النسوة لاقتناء بعض المواد التي تستعمل في إضافة زينة لاستمالة أزواجهن، في وقت تسعى أخريات إلى السحر والشعوذة باعتبارها أياما "كيْتقْضى فيها الغَرض".
جريدة سكوب ماروك تسلط الضوء على اهم طقوس إحياء ذكرى عاشوراء التي تختلط بين الأجواء الروحانية والتقاليد الاجتماعية والطقوس الأسطورية.
انتعاشة أسواق الفاكية ولعب الأطفال
تمتلئ الأسواق بالتمور والفواكه الجافة من تين وتمر وجوز ولوز وكاكاو وحمص وحلوى، وهذه الفواكه معروفة عند عامة الناس بـ "الفاكية"، ويخلق إقبال الناس على شرائها رواجا كبيرا، حيث يعتبر اقتناؤها لدى الأسر بالجهة أحد لوازم الاحتفال، ويعد استهلاكها وتفريقها على الأهل والجيران وأطفال الحي مظهرا من مظاهر الاحتفاء بعاشوراء.يصاحب ذلك شراء الآباء هدايا لأولادهم، وهذه الأخيرة تكون عبارة عن لعب مثل مزامير ومسدسات مائية وأجهزة إلكترونية أو الدمى والبنادير والطعارج وغيرها من اللعب التي يعرضها التجار على غير العادة في الأسواق والشوارع خلال الأيام التي تسبق وتلي هذه المناسبة.
عيشوري عيشوري.. عليك دليت شعوري
تتجمل النساء وخاصة المتزوجات في معظم التجمعات السكنية لأحياء الجهة، حيث يتزين بالحلي ويلبسن لباسهن التقليدي، ويخضبن شعورهن بالحناء، وكذا أيديهن وأرجلهن بها مع وضع شيء منها في أكف الأطفال وهن يرددن: "عيشوري عيشوري.. عليك دليت شعوري..".
الشابات واليافعات لهن نصيبهن من الإحتفالية، حيث تخرجن إلى الأزقة متباهيات بأزيائهن وبجمالهن في مظاهر الزينة والبهاء وهن يضربن البنادر والطعارج مرددات: "هذا عاشور ما علينا الحكام أللا.. فعيد الميلود كيحكمو الرجال أللا…"، في إشارة إلى أن الرجال لا سلطة لهم عليهن طيلة عاشوراء، مما يسمح لهن بالغناء والرقص ليالي متتابعة، وعلى الرجال أن ينتظروا انتهاء شهر ربيع الأول، موعد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، ليسترجعوا سلطتهم "المنتزعة" من لدن النساء..
عاشوراء يخرج شخصية أسطورية للوجود
يقرن المغاربة عاشوراء بشخصية أسطورية يطلقون عليها "بابا عاشور"، ولا أحد يعرف أصل هذه الأسطورة التي تظهر في أهازيج الفتيات وهن ينقرن طعاريجهن المزركشة، ويهتفن: "هذا عاشور ما علينا الحكام أللا"، غير أن اسم "بابا عاشور" يختلف من منطقة إلى أخرى، فقد أطلق عليه الأمازيغ "أعاشور" أو "أبنعاشور"، وفي بعض مناطق جنوب المغرب اسم "حرمة" و"الشويخ" بينما أطلقوا عليه بمناطق شمال المغرب "با الشيخ" في حين يعرف بـ "عيشور" و"بابا عيشور" في وسط المغرب.
الشعالة على الإيقاعات الشعبية
تشهد الشوارع والساحات العامة ليلة عاشوراء إشعال النيران التي يطلق عليها "شعالة"، حيث يتم استعمال العجلات المطاطية والحاويات البلاستيكية لجمع النفايات كركائز لإيقاد النيران وإغلاق الشوارع وتفجير مفرقعات مهربة كانت تباع أمام الجميع في أزقة وشوارع مدن الجهة دون أن يحرك أي مسؤول ساكنا، وبعد إيقاد النار يبدأ القفز عليها باعتبار أن ذلك يزيل الشر ويبعده حسب اعتقادهم، بل إن البعض يأخذون في الدوران حولها وهم يطبلون ويزمرون ويغنون، ويجتهد الفتيان في تأجيج اشتعالها لأطول مدة من الليل، وغالبا ما يستعملون لهذا الغرض أغصان الشجر لتتصاعد الأدخنة في عنان السماء ويضيفون المحروقات لضمان توهجها، ويأخذون في القفز فوق اللهيب، في حركات بهلوانية يرافقها القرع على "الطعاريج" بأهازيج شعبية من قبل النساء، مع ما يصاحب ذلك الصخب من إطلاق الأطفال للصواريخ وفرقعتهم للمتفجرات والمفرقعات الصينية.
السحر والشعوذة ليلة عاشوراء
يستغل بعض النساء الفرصة "الشعالة" ليرمين مواد غريبة في النار المشتعلة، وتكون غالبا عبارة عن بخور ووصفات تشتمل على طلاسم وتعويذات شيطانية، حتى يضمن بلوغ أهدافهن ويحققن مرادهن إلى أن تحل عاشوراء السنة الموالية، وأغلب تلك الأعمال والصنائع السحرية تتركز حول مسألتين: الأولى تتعلق بـ "ترويض" المرأة لزوجها وإجباره على طاعتها، والثانية ترتبط بمسألة العنوسة، إذ تلقي العانس جزءا من أثر الرجل الذي تريده زوجا لها "شيء من ثيابه أو شعر رأسه أو جسده، أو حبات تراب وطأة قدمه" في النار الملتهبة..وهناك أخريات يرغبن في كسب شَعر جميل وقوي، يدخلن طرفا من شعورهن في خاتم فضي، ويقطعن ما فضل منه، ويرمينه في نار "شعالة".
المفرقات الصينية تغزو أسواق الجهة
تتحول الأحياء الشعبية بالجهة إلى ساحات لتجريب مختلف أنواع المفرقعات الخطيرة على الأطفال والمراهقين، بل حتى الكبار نتيجة ترويج الألعاب النارية الصينية الصنع، التي ارتفعت حدة رواجها مع اقتراب عاشوراء، حيث غزت الأسواق وأصبحت تباع علنا، بأسماء مختلفة منها "داعش" و"ميسي" و"رونالدو" و"النحيلة" و"بوكيمون" وغيرها، بل تعرض ساحات عمومية وشوارع وأزقة مدن الجهة على مرأى ومسمع من جميع المسؤولين ما يعيد طرح التساؤل: كيف ولجت هذه المفرقعات المحظورة للتراب الوطني؟
هذا ورغم الحملات المتكررة للعناصر الأمنية لمواجهة هذا الخطر إلا أنه تستمر انتعاش السوق السوداء لبيع هذه المفرقعات، ما يتطلب يقظة وحزم من الجهات الجمركية، مع العلم أن هذه الآفة تهدد سلامة وحياة الأطفال وتتسبب كل سنة في كوارث حقيقية، حين تتحول مختلف الأحياء الشعبية إلى ما يشبه ساحات للحرب تستعرض هذه المتفرقعات المحظورة.
طقوس زمزم
يستيقظ الشباب مبكرا في صباح عاشوراء اعتقادا منهم أن من ينشط في هذا اليوم سيكون العام عنده كله نشاط وبركة، وفي وقت تبادر بعض الأمهات بإيقاظ أهاليهن عن طريق نضحهم "رشهم" بالمياه منذ الساعات الأولى من يوم عاشوراء.وبعد الاستيقاظ، يبدأ الصغار في رش بعضهم البعض بالمياه قبل أن ينتقلوا إلى الجيران وبعدهم المارة عبر الدروب والأزقة، لتبدأ بعدها المطاردات في الشوارع بين الذكور والإناث. إنها ظاهرة "زمزم" أو "التزمزيمة". ورغم أن زمزم هو اسم بئر في مكة المكرمة، فإنه في هذه الجهة يعني اليوم الذي تكون فيه للأطفال حرية كاملة لرش المياه على بعضهم البعض وعلى جيرانهم والمارة في الشارع.
زمزم من تقليد إلى وسيلة للتحرش والانتقام
رش المياه على المواطنين طقس دخيل يرافقه تبذير للمياه، حيث يبذل الشباب والأطفال، وأحيانا حتى الكبار، طاقاتهم في ملئ الأواني و"السطول" بالماء ورشها على المارة مباشرة أو من فوق سطوح المنازل، خاصة على النساء والفتيات، كأسلوب للتحرش بهن وسماع استعطافهن وتوسلاتهن للمرور سالمات من ماء قد يربك زينتهن كلها، فيؤدي هذا الهزل في أحيان كثيرة إلى مشاحنات بين الناس وبين الجيران، بل من المستهترين من يعمد إلى خلط الماء بمواد خطيرة أخرى ليتم رشها على فتيات، فيختلط اللهو غير السليم بالرغبة في الانتقام، ما يفضي إلى ضياع الوقت والجهد والماء، ويخلق أجواء من السباب والشتائم والتظلمات والشكاوي…إضافة إلى ما يعتبره الكثيرون ظلما واعتداء خصوصا على الفتيات برميهن بالبيض الفاسد والبول وماء جافيل وربما "لما القاطع"، ما يجعل اليوم يحفل بالعادات السيئة التي قد تقلب حياة البعض رأسا على عقب وتقوده نحو المستشفى وربما القبر.
عشاء فاخر على الذيالة
"الكسكس بالقديد"، وجبة من بين الوجبات التي يتم إعدادها احتفاء بيوم عاشوراء، وتخصيص بقية اليوم للزينة وتخضيب اليدين والرجلين وشعر الرأس بالحناء، ولبس الجديد من الثياب وزيارة المقابر والأضرحة، حيث أن عشاء ليلة عاشوراء يتكون في الغالب من طعام "الكسكس" الذي يفور على سبعة أنواع من الخضر "سبع خضاري" و"الذيالة"، وهي مؤخرة الخروف وذنبه، ويحتفظ بها من أضحية العيد مملحة لهذا الغرض، وقد يكون معها شيء من "القديد" مع أمعاء الكبش المجففة التي يصنع منها ما يعرف بـ "الكرداس"، ليتجتمع العائلة حول هذه المائدة لتناول وجبة العشاء الفاخرة التي تنتهي بالأدعية.
على سبيل الختم..
مناسبة احتفالية تختلط بممارسات بعض الشباب المفعم بالدينامية الطائشة، لكن العديد من المسؤولين يتحملون المسؤولية نظرا لغياب حملة استباقية لمنع المتاجرة في المفرقات الخطيرة المهربة التي تباع في واضحة النهار بساحات عمومية، إضافة للفعاليات الجمعوية التي يجب أن تلعب دورها في التأطير والتحسيس، فإذا كنا فعلا نريد قطع الطريق على هذه السلوكات الدخيلة والاحتفاظ بالجميل من الاحتفالية يجب على الجميع التجند بحزم ومسؤولية لمراقبة كل المظاهر الشاذة التي قد تبدو بسيطة لكن وقعها قد يتحول إلى لغم يتربص بسلامة وأرواح المواطنين.