ربورطاج: مواطنون يلهثون وراء سراب الثراء السريع عبر البحث عن الكنوز.. كشف أسرار عن طقوس اصطياد الكنوز الدفينة بإقليم سطات
يستأثر موضوع البحث عن الكنوز واستخراجها من إقليم سطات بجدل واسع بين من يعتقد أن الخوض في هذا الموضوع لا يعدو أن يكون نسخة لحكايات خرافية وبين من لديه قناعة راسخة بأن استخراج الكنوز أمر ممكن٬ وأن حلم التطلع نحو تطليق البؤس ومعانقة الثراء٬ يمكن أن يتحول من وهم إلى حقيقة. فقد سجلت الأجهزة الأمنية بإقليم سطات الإطاحة بالعديد من الحالاتالشاهدة ما جعل المتتبعين يطالعون جزءا من قصص مستخرجي الكنوز، في ظلت باقي عناصر القصة مظلمة تتجلى في جهل الوسائل والطرق التي تمكنهم من العثور على تلك الكنوز واصطيادها وطريقة التربص بمرشد الثروة المدفونة أو ما يطلق عليه بـ "الزوهري". أسرار خفية تكشفها جريدة سكوب ماروك لأول مرة بعد سبرها أغوار هذا العالم المظلم ومجالستها مع أحد المشعوذين لإخراج حقائق مثيرة للعلن..
السياق التاريخي للودائع الدفينة
العديد يطرح تساؤلاتهم حول كيفية وصول ما بات يعرف بالكنوز الدفينة إلى باطن الأرض، وهو سؤال يمكن ربط إجابته بما ورد في بعض المصادر التاريخية التي تحدثت عن هذا الموضوع، ومن بينها مقدمة ابن خلدون التي أشارت أن المغرب سادته في عهد حكم السلاطين أي منذ قرون من الزمن حالة من التوتر والتناحر بين القبائل، وهو واقع فرض على الناس الأغنياء ذفن ممتلكاتهم تحت الأرض حفاظا عليها من سطو قُطاع الطرق والجيوش الغازية.
كان دفن المجوهرات والحلي أحد أنجع الوسائل التي كان يفضلها السكان الأولون في المغرب، وذلك لحمايتها من أي سرقة محتملة، وهي عملية كانت تتم عن طريق "التعزيم" أي بتلاوة تعويذات شركية قصد بسط سيطرة جني تابع للمعزِم على الكنز، وعدم تمكين أحد منها ما لم يكرر صياغة وقراءة نفس التلاوة.
أسرار استخراج الكنوز!
تمكنت طاقم سكوب ماروك من دخول أغوار سوق "جميعة" المعروف بالدار البيضاء، وهو أشهر الأسواق الشعبية المتواجدة بدرب سلطان، حيث يحج المغاربة إليه من كل حدب وصوب، إما لشراء ما يسمى بـ "التفوسيخا" لطرد العين أو السحر، أو لمعرفة "الطالع" وما يخفيه عالم الغيب.
بعض فقهاء "جميعة" فضلوا التكتم على طرق استخراج الكنوز، مدعين أنهم لا يعرفون شيئا في هذا المجال، غير أن الفقيه "خ.ب" كشف بعض الطرق التي يعتمد عليها "صيادو الكنوز" لاستخراج ما يعرف بـ "الكنوز الدفينة"، موضحا أن من بين تلك الطرق ما يسمى بعملية الاستنزال، وهي عملية تتطلب التوفر على ماء خاص يبلغ ثمنه 20 ألف درهم، ويباع في الدكاكين الشعبية المختصة في بيع المواد المستعملة في السحر وطرد العين والجن، وتوجد فقط في مدينة مراكش.
ماء سحري يمكن من العثور على الكنز
كشف الفقيه (خ.ب) بسوق جميعة بالبيضاء المستور حول استعمال السحرة لماء سحري يمكنهم من العثور على الكنز، حيث يرشونه على القطعة الأرضية التي يحتمل أن يتواجد فيها الكنز النفيس، ويعطي إشارات معينة تمكن الفقهاء من التأكد من وجوده، مضيفا أن هناك وسائل أخرى للتعرف على مكان الكنز الدفين كاستعمال أنواع معينة من البخور، بالإضافة إلى الاستعانة بآيات قرآنية وتعويذات خاصة تساعدهم على استخراجها من باطن الأرض، كما تحدث أن آخرين يستعينون بخدمات الجن وهذه الخدمات التي لا تُقدم إلى في حالة استجابة الفقيه لشروط الجن وتقديمه بعض القرابين كأن يتبول على القرآن أو يتلوه بالمقلوب وفي الغالب تقديم الأطفال الزُوهريين قربانا لهم، من خلال ذبحهم واقتلاع أعينهم اليمنى وفق الطقوس الخاصة التي تمكنهم في النهاية من العثور على الكنوز الدفينة.
العلامات المميزة للمرشد "الزوهري"
الإنسان "الزوهري" هو إنسان ذكر أو أنثى قصير النظر لا يستطيع رؤية الأشياء البعيدة ومن علاماته التي تميزه عن باقي البشر، وجود خط متصل يقطع راحة يده بشكل عرضي، وقد تكون له علامة أخرى على مستوى لسانه بحيث يكون مفلوقا أي يقطع صفحة لسانه خط بشكل طولي، ويضيف البعض أن شكل عينيه يختلف تماما عن باقي الأعين الأدمية، حيث تتميز ببريق خاص، كما يمكن أن يتميز باختلاف بينهما وهذا الاختلاف عبارة عن تمزق غير واضح في منتهى الجفن. وتذهب الذاكرة الخرافية الشعبية إلى أن أصل الطفل الزوهري هو الجن وقصته ترجع إلى لحظة الولادة حيث تم استبداله بأحد أبناء البشر…
ويعتبر "الزوهري" مفتاح الكنوز، ولأنه مرتبط بالجن (لاعتباره أحد أبنائهم) فهو لا يخاف من الجن حتى وإن اقترب من الكنز الذي يحرسه زبانيتهم… لهذا الغرض يلجأ "المشعوذون" للاستعانة به وتقديمه قربانا للجن لكشف الكنوز ونقلها مباشرة بعد ما تظهر معالمها.
السكان يحاصرون ستة منقبين بضريح سيدي مسعود
تمكنت عناصر الدرك الملكي لمشرع بن عبو بإقليم سطات من القبض يوم 3 ماي 2016 على 6 أشخاص من أجل التنقيب على الكنوز، حيث حاصرت الساكنة المتهمين داخل منزل بدوار الرحاحلة بمشرع بن عبو والتي يتواجد بالقرب من ضريح سيدي مسعود الذي كانوا ينوون الوصول إليه عبر حفر نفق من المنزل نحو الضريح. هذا وقد تم اقتياد المتهمين الذين تتراوح أعمارهم بين 38 و65 سنة اثنين منهم كانا يقومان بالحفر و"فقهين" واثنين آخرين وسطاء إلى المصلحة من أجل التحقيق معهم في انتظار إحالتهم على العدالة.
ضبط فقيهين بالزاوية النزاغية
أحالت عناصر المركز الترابي بسطات على العدالة "فقيهين" متهمين بالتنقيب على الكنوز، بعدما تم توقيفهما صبيحة السبت 14 دجنبر 2013، من طرف الدرك الملكي بعد قيامهما بعمليات حفر بالزاوية النزاغية للحاج العربي العبدوني، بجماعة المزامزة الجنوبية إقليم سطات، حيث تم توقيفهما ليتبين بعدها أن الأمر يتعلق بـ "فقيهين" في عقديهما السادس يتحدر أحدهما من سلا بينما الثاني من البيضاء، كانا في وليمة عشاء عند عون سلطة بالمنطقة، ليستغلا انتهاء الوليمة للحفر بالزاوية النزاغية للعربي العبدوني بحثا عن الكنز، بعد اعتقادهم أن الشيخ العربي العبدوني، دفن ثروته بالمكان، ليتم اقتيادهما صوب مقر سرية الدرك بسطات لاستكمال التحقيق، قبل إحالتهما على ابتدائية سطات
الزوهري حمزة ضحية كنوز وهمية بخميسات الشاوية
عثر مطلع فبراير 2011 على أشلاء من جثة الضحية الزوهري "حمزة.أ" البالغ من العمر 14 سنة بسطات بعدما تعرض لاختطاف من أمام بيت والدته بسيدي مومن بالدار البيضاء من قبل مجهولين، يعتقد أنهم من الباحثين عن الكنوز، حيث أكدت التحاليل الجينية التي أخضعت لها الأم أن الرأس والأضلع التي عثر عليها بجماعة خميسات الشاوية بضواحي سطات تعود إلى الطفل المختفي.
الأسرة أبلغت عن اختفائه بعد يومين من اختطافه، واستخدمت وسائلها الخاصة للبحث عنه، قبل أن يتفاجؤوا باتصال هاتفي من أقاربها بضواحي سطات، يستفسرون عن نوع وألوان الملابس التي كان يرتديها الطفل، إذ عثر رعاة في دوارهم على رأس وأشلاء جثة طفل وإلى جانبه وضعت ملابسه، قبل أن تتوصل والدته بمكالمة هاتفية من عناصر الدرك الملكي بجماعة خميسات الشاوية طالبتها بالحضور من أجل التعرف على الجثة.
محاكمة عصابة استغلت زوهريا لاستخراج كنوز
مثلت عصابة متخصصة في الكنوز نهاية أكتوبر 2016 أمام القضاء بسطات بعدما تورطت في استخدام طفل "زوهری" يبلغ من العمر 11 سنة، لاستخراج ثروة دفينة من عدۃ مناطق بإقليم سطات، حيث استغل فقيه علاقة صداقته بوالد الطفل الضحية، ليؤكد له أن الطفل يعاني من مس، وأنه سيخضعه لجلسات "صرع" في أوقات متأخرة من الليل، وهكذا قاده إلى مناطق خلاء رفقة أربعة متهمين آخرين، حيث كان يكتب على جسمه طلاسيم، بينما لاحظت أسرة الطفل تغيرا كبيرا في سلوكاته، بعدما أصبح يتناول الزجاج والحجارة..، لتكتشف أنه كان يرشد الفقيه ورفاقه إلى مواقع محدد يحفروها لاستخراج الكنز، لتتعرض العائلة للتهديد من العصابة بعد افتضاح أمرهم ما حدا بوالد الطفل للجوء إلى عناصر الدرك الملكي للتبليغ عن الوقائع التي كشفت أن الطفل رافق العصابة إلى رياض قديم يعود تاريخ بنائه إلى أزيد من 150 سنة، حيث استخرجوا من أحد أعمدته صندوقا حجريا وداخله ياقوتة كبيرة.
على سبيل الختم..
قد يبدو التشبث بأوهام تسلق مدارج الغنى عن طريق استخراج الكنوز سخيفا، لكن تغييب الضمير واللهث وراء الثراء السريع يعمي بصيرة البعض ليقدموا على أفعال وممارسات تحرمها الشريعة الإسلامية قبل أخلاقيات المجتمع. وإذا كان القانون قد حاول قدر الإمكان إعادة الاعتبار لضحايا هؤلاء الدجالين، فإن التاريخ لم يجد للأسف من ينصفه من صيادي الكنوز الذين حفروا وخربوا المآثر التاريخية…