ربورطاج: ملعب النهضة الرياضية السطاتية من الأبطال إلى الأزبال.. معلمة تاريخية حولها النسيان إلى مرتع للنفايات ومتاجر القصدير

ربورطاج: ملعب النهضة الرياضية السطاتية من الأبطال إلى الأزبال.. معلمة تاريخية حولها النسيان إلى مرتع للنفايات ومتاجر القصدير

تشوه مخيف، ذلك الذي حول ملامح معلمة تاريخية إلى مزبلة بكل المقاييس، تشوه يبعث على القلق الشديد من مصير هذا الفضاء الرياضي. يتعلق الأمر بالمركب الرياضي للنهضة الرياضية السطاتية، والذي كان لزمن غير بعيد ملعبا راقيا تفوح منه رائحة الياسمين، ويبعث على أمل مشرق لمواهب رياضية غنية احتضنها من كبار رياضيي المغرب سواء في مجال كرة القدم أو الرياضات الموازية وخاصة ألعاب القوى قبل أن تنطفأ شعلته بعد توالي القرارات الجائرة في تدبيره.

من يصدق أن المعلمة التاريخية ماتت ودفن معها فريقها بالقسم الثاني هواة. الكلام اليوم لم يعد له معنى ولا يجدي في شيء، لكن العتاب ضروري، والمشكلة تكمن فيمن سنعاتب؟ الأسماء كثيرة، والمتباكون غير بريئين…جريدة سكوب ماروك تسلط الضوء على المعلمة التاريخية للنهضة السطاتية لنفظ الغبار عن ما تبقى منها لعل الجيل الحالي يعلم ماذا فعلت السياسات العبثية في التفريط في مكتسبات المدينة.

بنية رياضية جسد بدون روح

جدران آيلة للقطوط ومدرجات تحولت من الفرجة إلى كراسي اسمنتية متآكلة، مشهد ينضح بمأساة حقيقية لملعب كان مهدا لأبطال كبار مروا منه قبل أن يرصعوا أسمائهم في سجل الرياضة المغربية. يتعلق الأمر بالجيل الذهبي الذي حمل الراية الوطنية في المحافل الوطنية والدولية، من ألمع هذه النجوم نجد الجيل الأول لكرة القدم مع السليماني، وكباري، وبلفول، والغيادي، والعلوي، والمعطي، وجبران، والطاهر، وحلمي، والدكالي، وبدة، ومسلم، وعين الحياة، وسلامي… والجيل الثاني مع خالد رغيب، وسعيد الركبي، وبنزكري، ونعينعة، وبوخنجر، ووردي، وخمار، وسلامي… بالإضافة لجيل الامجاد الرياضي السطاتي لألعاب القوى تحت إشراف الحاج بنزين الذي استطاع فريقه نيل بطولة المغرب وكأس العرش في نفس السنة والذي كان يتخذ من مضمار الملعب فضاء للتداريب.

نوستالجيا..

كلما مررت بجانب سور المركب الرياضي للنهضة الرياضية السطاتية أو وطئت قدمي به، إلا وينتابني شعور بالبكاء والحسرة على ماضيه المشرق الذي كان فضاء رياضيا وفنية حيث لطلما تحولة إلى منصة فنية يعتليها كبار المجموعات الغنائية الوطنية. فملامح هذا الملعب التاريخي الذي بني حوالي سنة 1976 نتيجة مقايضة بين وزير الداخلية آنذاك ادريس البصري مع الدولة، بحيث تم تسليمهم الملعب القديم الذي بنيت فيه الخزانة البلدية مقابل تسليم النهضة الرياضية السطاتية الوعاء العقاري المجاور له الذي بنيت فيه المعلمة الحالية المركب الرياضي للنهضة الرياضية السطاتية.

هذه المعلمة الرياضية التي ظلت شاهدا على نجاح أسماء كبار حملوا شعلة المغرب في الاستحقاقات الرياضية الدولية، قد اندثرت ولم يعد في الوجود سوى مساحة خارجية قاحلة رغم بعض تدابير المكتب المسير للفريق بخلق منامة لاعبي الفريق ومطعم ومقصف داخله، إلا أن قرارات مجلس بلدي رعناء حولت محيطه الخارجي إلى مأوى للباعة الجائلين وتجار الصفيح في وقت يقال سطات بدون صفيح..

ملعب بتخصصات رياضية مختلفة

هذا الملعب المتواجد قرب حي البطوار، ظل منذ تأسيسه متنفسا للسطاتيين نتيجة تعدد صالات الرياضة المتفرعة منه حيث كان تعج بالرياضيين، الذين كانوا يمارسون مواهبهم، من رياضة الملاكمة والمصارعة والجمباز والكراطي إلى الجري ورمي الرمح والجلة. ومع توالي السنوات أغلقت صنابير الدعم والعناية من طرف المستشهرين والمجالس المتعاقبة آخرها قرار جائر بتحويل محيط الملعب إلى ساحة لتجار الصفيح والباعة الجائلين والفراشة القادمين من محيط المدينة. تدابير دفعت العديد من الأندية الرياضية المنضوية تحت لواء النهضة السطاتية إلى إغلاق أبواب أنديتهم بعدما أصابت المكان لعنة جماعة سطات من غياب للإنارة العمومية وكثرة الحفر في الطرق المحيطة بالملعب إضافة للأشجار الموغلة التي تحن إلى تقليمها وبستنتها لنشر جو من الجمال في مكان تحول إلى صورة بشعة.

قل للزمان إرجع يا زمان..

خالد رغيب، ادريس بنزكري…، أسماء لازالت خالدة في ذاكرة الكرة الوطنية.. أبطال انطلقوا من ملعب كان، ولزمن غير بعيد، معلمة مميزة ضمن معالم مدينة سطات. إنه ملعب نهضة سطات، التحفة الرياضية الوحيدة التي بنيت بهندسة معمارية جميلة بعيدة عن هندسة "التخربيق" التي تعيشها المدينة في السنوات الأخيرة، وهو منذ ذلك الوقت، استطاع أن يشكل ملعبا استراتيجيا مهما، ومتنفسا لمواهب الشباب الرياضية، الذين أبانوا فيما بعد عن تألقهم، وبصم أسمائهم في تاريخ الرياضة الوطنية من قبيل رأسية خالد رغيب التي أهلت الفريق الوطني إلى مونديال 1998.

نهضة سطات.. بطل في خريف العمر يحتضر في صمت

بعد دخولنا إلى الملعب، لم نجد بين تلك الأندية التي كانت شعلة في سنوات التسعينات باستثناء فريق وحيد أصر أصحابه على إبقاء بابه مفتوحا رغم التحديات والعراقيل ويتعلق الامر بنادي النهضة الرياضية السطاتية والذي لم يعد سوى تراث بالنسبة للمدينة، سهر وفق امكانياته الببسيطة على استرجاع بعض الحيوية لمرافق الملعب الداخلية فقد سهر المكتب المسير لفريق نهضة سطات على استعادة بعض ملامح المعلمة الرياضية من خلال خلق منامة للاعبي الفريق ومطعم لهم ومسجد ومقصف ومرافق صحية في المستوى وملاعب تداريب ثانوية، إضافة لإعادة تهيئة عشب الملعب بشكل يساير الملاعب الوطنية الاحترافية إضافة لاحتضانه فريق النسمة السطاتية الصاعد والأمل الجديد للمدينة، لكن سرعان ما خفتت الابتسامة عند محاولتنا الخروج من الملعب فالكلاب الضالة هنا وهناك عند بوابة الملعب، وروائح كريهة تبعث على الغثيان تفوح من جنبات سور الملعب، والدواب تصول وتجول دهابا وإيابا بين بحيرة البطوار والمحيط الخارجي للملعب وسط المئات من الباعة الجائلين والفراشة الذين يتغلون ساحة الملعب الخارجية في نشر بضائعهم أيام الخميس والسبت والأحد في وقت يتركون مخلفاتهم من الأزبال والحجارة في باقي الأيام لرشم مواقعهم، بينما اختار باعة آخرون الاستقرار بشكل دائم بناء على قرار بلدي يقضي بتمكينهم من بناء محلات تجارية قصديرية في محيط المكان.

ارحمو عزيز قوم ذل..

وبين توالي مجالس المدينة البلدية والإقليمية وتوالي الولاة والعمال على تراب الجهة والاقليم، وتوالي وزراء الشباب والرياضة، لم يزد الواقع إلا ترديا، بين من يطالب بالإصلاحات في غياب الإمكانيات، ومن يفضل أن يبقى الوضع على ما هو عليه لغاية في نفس يعقوب، والضحية قلب عروس الشاوية العليل.