الوالي محمد مفكر مرة أخرى

الوالي محمد مفكر مرة أخرى

حسنا فعل زميلي الدكتور بلوردة حين ذكرني، خلال العدد السابق من جريدة الشاوي، بالحلم الشاوي كما سردته، و أشكره لأنه صدق بعفويته القريبة من السذاجة أني لم أكن نائما،

 وبأن ما خططته كان مشروع الوالي السابق المتوكل، قدري و قدر كل أبناء هذه البقعة الغالية أن نتشبث بكل أمل، يجد طريقه بانسيابية غريبة نحو وجداننا، و يسيطر على تفكيرنا لدرجة غض الطرف عن الجانب السريالي فيه.

من حقي كما من حق كل أبناء سطات أن أصدق و أصفق و أصرخ و أتمنى و أعيش الحلم حين أسمعه و أراه بالأرقام والتفاصيل في مفكرة أعلى سلطة بالإقليم والجهة. ذهب المتوكل فاكتشفنا بأن ما خلفه وراءه فقط وعودا وكلمات لن تغني أو تسمن من جوع التنمية، فهل نحن لهذه الدرج سدج؟ بلهاء؟ عاطفيون؟ أم حالمون طيبون و كفى..

حين تولى السيد مفكر والي الجهة الحالي المسؤولية، أعترف بأني و الكثير غيري تعامل مع الأمر بحذر، فقد قررت أن لا أفرط بالتفاؤل، و أن أغض الطرف عن النية الحسنة  للإصلاح و تغيير الأوضاع، و أن أكون صارما مع نفسي و لا أقبل سوى بالتصفيق للأفعال و المنجزات على أرض الواقع، و ليس على أوراق الماكيط كما فعلت مع الوالي السابق سامحني الله. لكن و للأمانة الصحفية فالرجل منذ أسابيعه الأولى، أعطى ما يكفي من الاشارات لكون الميدان هو المحدد الاساسي لاستراتيجيته بالمنطقة، و أحسسنا بأنه يريد إنجاح تجربته الأولى في الادارة الترابية، و بأنه بصدد اعتماد منهجية تقطع مع المجاملات الفارغة و "تعمار الشوارج" بالوعود، و الإنكباب على حل المشاكل الحقيقية للمواطنين، فهل ذلك يكفي؟ الى أبعد حد، نعم، منذ القديم يقال بأن الرجل هو الأسلوب، و ما أبهر حقا ساكنة المدينة في الرجل أنه لم يختبئ وراء "القايد" و "المقدم" خلال مواجهة الحيتان الكبيرة لمحتلي الملك العمومي، وسار جنبا الى جنب مع الجرافة من أجل تحرير شوارع المدينة من مغتصبيها، و بمنطق استاذي محمد أمين حوتي لأول مرة نحس بأن "جميع المحتلين متساوون أمام الجرافة".

أوردت هذا النموذج بالضبط لأنه وعلى عكس ما قد يبدو للبعض بأنه "عمل عاد" فهو لا يخلو من قوة و رمزية، فالجميع يعلم بأن احتلال الملك العمومي هو الورقة التي كل الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين و الجمعويين يخطبون ودها، و تتحول في أوقات عديدة الى حصان طروادة لكسب مربعات في الصراع نحو بناية المجلس البلدي، و الغرف المهنية.

أتذكر حوارا جانبيا مطولا جمعني مع السيد العضمي الوالي الاسبق للجهة، وللتاريخ الرجل بصم اسمه بفخر داخل الإقليم للأعمال الكثيرة التي قام بها، حين سألني أيام قبل رحيله هل أنتم راضون؟ أجبته أكيد نعم لكن هل سيطول الأمر، لا أعتقد ذلك، كنت و لا زلت أعتقد بأن مدخل تقعيد الحكامة الجيدة، يمر عبر فرز نخب حقيقية متشبعة بالديموقراطية و بالإصلاح، و بأطر ادارية تشتغل بمهنية عالية  ونكران ذات، و بمنظومة إدارية و ترابية مرنة تجعل من خدمة الصالح العام هدفا رئيسيا لها، و هو أمر لم يوفق العضمي في ترسيمه إذ اعتمد على الكاريزما التي تحملها شخصيته، و حقق العديد من المنجزات خلال فترة ولايته لكن مباشرة بعد رحيله عادت لوبيات مقاومة الاصلاح لتنشط بشك أكبر وأشرس من السابق.

الوالي مفكر لا تعوزه الارادة القوية، ولا الكفاءة المهنية، و لا التجربة داخل الادارة العمومية، ولا القراءة المعمقة للواقع كما هو، ليؤسس لمرحلة جديدة، يكون العمل المحدد الرئيس لها، نتفهم بأنه أمام مجالس منتخبة شبه مشلولة كما هو الشأن بالنسبة لمدينة سطات، مما سيصعب المسؤولية كثيرا لأن هذه المجالس من المفروض أن تكون الشريك الاساسي في العمل، لكننا نعتقد بأن لمؤسسة الوالي رمزية و ثقل تستطيع من خلاله فرض حد أدنى من الاشتغال و خدمة الصالح العام، و لو ريثما تجود الانتخابات القادمة على المدينة بنخبة حقيقية قادرة على ربح الرهان، و إلى ذلك الحين واصلوا سيدي الوالي، فكل ذوي النوايا الحسنة بالمدينة و الاقليم بجانبكم، و في صفكم، ما دمتم تحملون لواء الإصلاح و التغيير.