لا هو بمروض ولا بمدجن…

لا هو بمروض ولا بمدجن…

تشكل الساحة المقابلة للبرلمان في شارع محمد الخامس، مكانا أمينا ورحيبا، لأطيار من الحمام تجول وتمرح على سجيتها، بين زوار من شتى الأعمار وخاصة الأطفال الذين يستهويهم رؤية وملامسة ريش بعض الحمامات التي تُبْدي قبولا رائعا، من أجل أن تؤخذ لهم صور تذكارية تخلد ليوم أمضوه رفقة رموز السلام والحرية.

يحج الناس إلى الساحة، ليس باعتبارها مقابلة للبناية التي تشرع فيها القوانين وحسب، وإنما بغرض التقاط صور ليس مع نجوم الرياضة أو شخصيات سياسية.. بل هذه المرة مع نجوم من نوع خاص، رفقة أسراب الحمام التي تكون صحبة مصور ينثر لها بعض الحبوب بين الفينة والأخرى.

وجمالية الساحة لا تكمن فقط بعشب أخضر وأشجار نخل تضاء أثناء الليل ونافورة..بل كذلك لما تضفيه طيور السلام من جمال فتان، يستهوي الزائرين الذين لا يبخلون عليها ببعض مما يأكلونه من فواكه جافة، حتى يرسخوا لعلاقة الحب والود بين الطرفين؛ الكل منهما في حاجة للأخر…

ومن المشاهد التي أثارتنا في ساحة تحمل رمزية سياسية كبيرة، هي علاقة المصور بطيور الحمام، ثنائيان الكل منهما يُسخر الأخر لتوفير قوت يومه؛ المصور قال عن نفسه انه هجر أحد محلات التصوير، وإحدى الحمامات لا تفارق المكان وبات قوتها فيما تضفيه من سرور وحبور على الناس..

المصور يعلق على كتفيه آلة تصوير ويحمل كيسا من الحبوب، يكون أداة لجدب أسراب الحمام، التي تذكرنا؛ أن الجمال والسلم مازالا موجودين في عالم تعمه الحروب والنزاعات، فإذا كان الإنسان قد تمكن من ترويض وتدجين بعض الحيوانات فإن المصور في ساحة شارع محمد الخامس لا هو بمروض ولا بمدجن للطيور، إنها علاقة توافق ورضا بين أطراف اختارت أن تخدم بعضها البعض..

وظهور الهواتف "الذكية" وتوفر معظم الناس على آلات تصوير، جعل من مهنة المصور آخذت في التراجع إن لم نقل التلاشي، ما سُيلزم زوار الساحة أن يحضروا معهم حبوبا وفواكه جافة زيادة، لكي لا تهجر أسراب الحمام المكان ويغيب شيء ما منه؛ إذ أنه اقترن بطيور تقودها غريزتها والألفة التي نسجتها مع زوار الساحة. 

ورغم ما تذرفه السحب من مطر، هجر الجميع وبقيت الطيور في الساحة متخذة من أشجار النخل ملجأ لها وأسفها فراق الأحباب، وعلى شرفات البنايات المقابلة، وجدت لنفسها عش ومكان للمبيت ريثما يصبح الصباح ويتجدد اللقاء.

ويعتبر طير الحمام من الطيور المميزة والجميلة وعلاقته بالإنسان علاقة تاريخية قديمة تعود لآلاف السنين، حيث استفاد منه الإنسان من أجل المراسلات البريدية و تنقية الأراضي من الديدان والطفيليات..غير أنه تحول في ثقافتنا الحديثة والمعاصرة لرمز للسلام والحرية

{facebookpopup}