تحقيق مأساوي يكشف إفلاس إنساني حول ملائكة الشارع بجهة الدارالبيضاء سطات إلى لغم متحرك

تحقيق مأساوي يكشف إفلاس إنساني حول ملائكة الشارع بجهة الدارالبيضاء سطات إلى لغم متحرك

تعترف المنذوبية السامية للتخطيط وكافة مؤسسات الرعاية الإجتماعية  بأنها لا تمتلك حتى الآن، أية إحصائيات رسمية حقيقية يمكن من خلالها معرفة العدد الحقيقي لملائكة الشوارع (المشردين و أطفال وشباب الشوارع…) آخر تعداد سكاني جرى في المغرب كان عام 2014، لكن حتى هذا التعداد لم تكن فيه  إشارات إلى هذه الفئة من المجتمع التي تبقى تقديرية في غالبية الأحوال. كما يقول فاعل حقوقي الذي يقر بأن الحصول على أعداد المشردين الحقيقي، هو السبيل الأمثل للشروع بمرحلة إعداد الخطط اللازمة لتأهيلهم وحل مشكلتهم المزمنة.

في حين ذهب باحث باستهجانه لما يسميه بخرافة الأرقام الرسمية التي تقدمها التقارير الحكومية، لكنه في ذات الوقت يستهجن بشكل أكبر إعداد الموقع الرسمي للمنذوبية السامية للتخطيط بجميع اللغات إلى اللغة الرسمية لدستور المملكة المتجلية في العربية.

التخلي والتهميش..أول أبواب الشارع

ما زال الطفل (زهير.خ) الذي فر من مدينة البروج مرورا بعدة جماعات قبل أن تطأ قدماه مدينة سطات بعد انفصال والديه و زواج والده بمرأة أخرى في حين رحلت أمه إلى وجهة غير محددة. يشعر بالقلق حيال فكرة عودته الى مدينته مجددا والتعرض إلى ذات الظروف التي دفعته للمغادرة في البداية.
يعترف (زهير.خ) بلغة حزينة والدموع في عينيه كيف تحول من ابن عائلة محافظة إلى طفل تناوبت عليه شهوات وغرائز من سبقوه إلى الشارع. البقاء في شوارع سطات محفوف بالمخاطر، لكنه ليس اقل خطرا من العودة الى مدينة البروج التي يملك لها أرشيف مرير من الذكريات المتعلقة بالصراع العائلي و القهر و الجوع والهدر المدرسي…ليختم (زهير.خ) أنه مضطر للبحث عن طريقه بنفسه.

تنوع قصص أطفال الشوارع

 يتخذ الشاب (محمد.ن) من الأعشاب و الكرطون فراشا و من القمر و النجوم مصباحا منذ أزيد من سنة، وهو يرقد بالرواق الخلفي للخزانة البلدية لمدينة سطات وسط الحديقة. بعد خروجه قسرا من دار المشردين بالبيضاء لتجاوزه السن القانونية. أحمد الذي يتعايش مع واقعه المرير ويقتات الآن على ما يكسبه من مسح الأحذية، يعتقد أنه أفضل حالا من زميله (عبد الكبير.ح) الذي يشتغل على غسل السيارات في أحد المرآب وسط مدينة سطات. بينما يعتبر محمد أن مصيرهما أفضل من أحد زملائهم الذي تحول من مشرد إلى لص محترف، بعد أقل من عامين قضاهما في التشرد بشوارع عروس الشاوية. ولا أحد يعرف بالضبط الى ماذا سيتحول حين تنتهي محكوميته ويخرج من السجن بعد ان أدين بتهمة السرقة والسطو.

(محمد.ن) و (عبد الكبير.ح) وآخرون غيرهم، كانوا كلهم ضحايا تشرد قسري فرضه إصرار مجتمع على تهميش فئة على أخرى.

من أطفال شوارع إلى قادة لعصابات

في الطرف الآخر من معادلة استغلال المشردين من قبل بعض اللصوص والعصابات الإجرامية لتنفيذ اعمال عنف، يقف المشردون أنفسهم في صراع مع باقي فئات المجتمع من خلال العصابات التي يشكلونها بعيدا عن أعين السلطات، ويبرعون في قيادتها أو الانضواء فيها.

سجلات المصالح الولائية بأمن سطات تحفل بعدد كبير من عصابات القتل والابتزاز والسرقة التي كان يقودها مشردون.أغلب المشردين الذين تحولوا إلى سجن الأحداث ببرشيد أو أحد مؤسسات الرعاية الإجتماعية خارج تراب جهة الشاوية ورديغة.

(هشام. ل) الذي دخل سجن الأحداث في صغره و خرج منه و هو شاب في مقتبل العمر. يلتقط منديل وعليه سائل الكحول بحديقة البريد بسطات قبل أن ينطلق في سرد ي تفاصيل بدايته و دخوله للسجن، حيث ينحدر من أسرة امتهنت سرقة المواشي في سيدي حجاج والنواحي الشيء الذي دفعه للسير في نفس الطريق التي سطرها له رب العائلة زوج والدته (العربي. ت)، كان ضحية الفقر وانتشار مظاهر الجريمة  التي كانت تتزعمها عائلته التي قدمته كبش فداء للدرك الملكي بسرية سيدي حجاج مقدمين للإين توضيحات بكون رب العائلة (العربي. ت) يجب ألا يدخل السجن لكونه سيتكفل بمصاريف أمه ونفس الشيء بالنسبة له وهو داخل السجن.

أطفال الشوارع  بضاعة في سوق الأعضاء البشرية

(حكيم. أ) يجلس تحت شجرة في الحديقة الخلفية لبلدية سطات، يتحدث وهو يرتعش مخافة تسجيله بعدسة الكاميرا  أو آلة تصوير ليعترف أنه تعرض في أزيد من مرة لمحاولة اختطافه أو إغرائه بأوراق نقدية عديدة مقابل نقله لأحد المستشفيات بالعاصمة الإقتصادية لسبب يجهله، لكنه يعود ليقول أن الشخص الذي طلب منه ذلك أخبره أنه سيجري عليه فحوصات ومعاينة فقط !!

في هذا الصدد، يقول أخصائي في الصحة إن اغلب هذه الحالات كانت تتعلق ببيع كلي أطفال شوارع قامت عصابات منظمة بنقلهم من الشوارع الى مستشفيات متخصصة بإمراض الكلي أو إلى عيادات خصوصية لسرقة كليهم أو شرائها من عندهم مستغلين الفقر و الحرمان ومقدمين إغراءات مادية كفيلة بأن تجعلهم يقبلون العرض.

يعود (حكيم. أ) بعد نقاش حول الموضوع ليقول "لا أريد خسارة أحد أعضائي أو قتلي لأزيدها على خسارة الجسد والروح معا نتيجة إنخراطي في عدة أعمال غير قانونية ولا تمت لأوامر لله بصلة…).

من متشردة إلى عاهرة

(فاطمة.س) تجلس وسط  كومة من الرجال في ساحة (الحليقية) بمدينة سطات، وهي تتفرج على كلام يختلط بين الحكم و الحكايات و المفردات النابية في الحلقة. (فاطمة.س) التي كانت مدار نقاش مطول وإعطاء الأمثلة عن المرأة  من طرف مسير الحلقة.

تحكي (فاطمة.س) أنها هربت من منزل أحد أعمامها لاسباب لم تفصح عنها، فالقضية كما تقول حساسة جدا وتحمل ابعادا قبلية أكثر من أي شيء اخر. تستمر في الحديث لتعترف أنها تحولت إلى بضاعة تتلاقفها أيدي بعض الباعة من سطات وآخرين قادمين من ضواحي المدينة.

كانت بدايتها   نتيجة تعرضها الى الإغواء و ممارسة انحرافات سلوكية في أحد الضيعات المجاورة للمدار الحضري لمدينة سطات، حيث تم إقناعها بممارسة الدعارة مقابل تقديم الأكل و الملبس لها.لبثت بالضيعة أزيد من ستة أشهر قبل ان تهرب مشيا على الأقدام إلى المدينة لتتحول من فتاة قروية إلى مومسة بمقابل.

على سبيل الختم

يرتبط بروز ظاهرة ملائكة الشوارعبالتطورات السياسية والاقتصادية للمجتمعات البشرية، إذ يتطلب هذا التطور أنماطا سلوكية جديدة يكتسبها الأفراد والجماعات، إن ظاهرة ملائكة الشوارعلم تثر كمشكلة اجتماعية كبرى في الفترة ما قبل الثمانينات، ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب في ذلك الحين منها قلة عدد المشردين، وهذا يرجع إلى أنه كانت هناك بعض الضوابط الاجتماعية التي كانت تقوم بمهمة الضبط الاجتماعي الفعلي لأفراد الأسرة أو المجتمع المغربي، ونجد في مقدمة ذلك السلطة الأسرية التقليدية والتي كانت ذات فعالية كبرى في عملية ضبط نشاط جميع أفراد الأسرة ومراقبة سلوكهم داخل وخارج نطاق الأسرة، وهذا إلى جانب تواجد الأسرة التي ترتبط بروابط الدم وتسكن في مناطق متجاورة ومعروفة، مما يسهل لها مهمة المراقبة والضبط، إلى جانب العلاقات الأولية السائدة بين أفراد القبيلة الواحدة، وهذه علاقات تمتاز بأنها علاقات قوية جداً، بالإضافة إلى مقدرة الأسرة على تغطية أو تلبية جميع احتياجات أفرادها، بالإضافة إلى أن كل أفراد الأسرة كانوا يعتبرون قوى إنتاجية تسهم بصورة مباشرة في دعم اقتصاديات الأسرة، وكل ذلك له الأثر الأكبر في ضبط سلوك أفراد الأسرة أو التقليل من درجة انحرافهم.

 كما أن عدم توفر المعلومات والبيانات الكافية عن هذه الظاهرة وأسبابها ساهم بقدر كبير في حجب معالم الصورة الواقعية لمشكلة التشرد في المغرب عامة و الشاوية ورديغة خاصة، هذا إلى جانب عدم وعي المجتمع بأبعاد مشكلة التشرد، وإن كانت هناك بعض البيانات التي جاءت بها بعض التقارير الرسمية، والتي أشارت إلى وجود ظواهر انحراف وسط الأطفال، بدأت تطفو على السطح بشكل متزايد، منها ظاهرة التشرد إلا أن ذلك لم يثر كمشكلة اجتماعية باتت تخلق انعكاسات على قاطرة التنمية و بروز ظواهر اخرى.