يا مسؤولي المغرب.. من الطبيعي أن تتواصل الخسارات بصيغ فجة
يخلد الشعب المغربي بكل عز وافتخار ذكرى انتصار إرادة العرش والشعب المعروفة لدى مغاربة العالم بعيد الاستقلال المجيد، وتعد هذه الذكرى مناسبة لاستحضار التضحيات الجسام التي بذلت في سبيل الدفاع عن الوطن وتحريره من براثن الاستعمار الفرنسي والاسباني الذين انتهى بهما المطاف بالجلاء مع بزوغ فجر الاستقلال.
وبتخليد هذه الذكرى المجيدة، يستحضر المغاربة السياق التاريخي لهذا الحدث العظيم الذي لم يكن تحقيقه أمرا سهلا أو هينا، بل ملحمة كبرى طافحة بمواقف رائعة وعبر ودروس بليغة وبطولات عظيمة وتضحيات جسام وأمجاد تاريخية عكست الوطنية الحقة في أسمى وأجلى مظاهرها.
مرت عقود من السنوات، شهدت خلالها بلاد المغرب عدة تطورات وتحولات، وظل تاريخ 16نونبر 1955 محطة لا تنسى يفترض أن تجسد مدخلا للشعور بالانتماء الوطني، بالنسبة إلى جيل شاب لا يعرف عن عيد الاستقلال سوى تحية العلم التي تقام بعمالات الأقاليم والاحتفاليات الموازية له عبر ربوع المملكة عبر سهرات شعبية وشذرات متفرقة من الأحداث تبث على القنوات التلفزية المغربية.
يا سادتي الكرام؛
سياق هذه المقدمة يأتي على هامش حرق العلم الوطني من طرف عدد من التلاميذ أمام البرلمان بالرباط وفي مدن متفرقة شهدت إهانة العلم الوطني بسلوكات طائشة للتلاميذ، دون الحديث عن خرجات غير مفهومة لفنانين ومراهقين عبر شبكات التواصل الاجتماعي (فايسبوك ويوتيب…) تكيل السباب لرموز المغرب وثوابته وآخرون يحرقون جوازات سفرهم المغربية، نظرا لأن قنواتنا الوطنية ومنابرنا الصحفية المفترض منها تعريف الناشئة وجيل اليوم والغد بالبطولات التي قام بها الأجداد والدماء التي أريقت من أجل هذا العلم، متفرغة لبرامج التفاهة والرداءة من قبيل رشيد شو، كي كنتي كي وليتي، ساعة في الجحيم، مداولة، مورنينغ مومو والأفلام المدبلجة المتكررة، يوميات نيبا؛ مول النفاخة؛ ساري كول، يوميات أدومة، مول الدلاعة، مول النظاظر،….مول…مول…..
يا سادتي الكرام؛
لا حق لنا في الاستغراب في سلوكات أطفالنا ويافعينا، لأننا في النهاية نمضغ العنب المحصرم، ونظفر بحصاد الهشيم، الذي زرعناه عبر مختلف الوسائط الإلكترونية.. ماذا ننتظر من جيل يتلقى يوميا سيلا من الالتباسات على مستوى بناء القدوة وتحديد معايير النجاح الاجتماعي وهو يرى التفاهة تجلب الشهرة والمال في بلاد المفكرين والأدباء والعلماء الذين تم طمس هويتهم؟ فعندما يصير "نيبا" وأمثاله سفراء للوطن في البوز والمشاهدة وقدوة لأطفالنا ويافعينا لكسب المال عبر التسول الالكتروني والتشلهيب، وعندما يتحول أميون إلى ساسة يدبرون شؤون البلاد والعباد ويرسمون الشوهة بأسمى معانيها في فضاء مقدس ودستوري يتثمل في البرلمان، فمن الطبيعي أن يحدث ما حدث، وأن تتواصل الخسارات بصيغ فجة.
إن احتفاءنا بالذكرى الثالثة والستين، مناسبة ميمونة، نـجدد فيها العهد الذي قطعناه أمام شهداء الأمس واليوم، نترحم فيها بخشوع وإكبار على من أوفوا بالعهد مع الله والوطن، أخوات وإخوة لنا، ما ماتوا أبدا في قلوبنا، وما رحلوا عن ذاكرتـنا، إنـما هم الروح الطاهرة التي ترفرف في سماء بلادي المغرب، حرية ووئاما وسلاما، وتـنبت في أرض بلادي خيرا وثمارا وازدهارا.
مناسبة عزيزة نؤدي فيها واجب العرفان والوفاء والتـمجيد لأبطال الـمغرب الأشاوس، الذيـن روت دماؤهم الزكية الطاهرة هذه الأرض المباركة، التي ما استكانت ولا خضعت لـمحتل أجنبي أو مستبد ظالـم. أرض الأحرار سلالة الملوك العلويين الشرفاء، الذيـن رفضوا الظلم والذل بكل شجاعة، وصانوا الـحق والعدل بقوة، ورفعوا اسم الـمغرب عاليا، راية خفاقة منذ الأزل، كانت وستبقى قلعة للـحرية والسلام، فضاء حوار وتــفاعـل حضاري، قطب إشعاع وتسامح إنساني يقود البلدان العربية والإفريقية في المحافل الدولية.
يا سادتي الكرام؛
على بنات وأبناء وطني الأعزاء من الأجيال الشابة الذيـن لـم يكتووا بنار الـجحيـم الاستعماري، ولـم يشهدوا مرحلة إعادة تأسيس الدولة الـمستقلة أن يدركوا أن استرجاع الاستقلال الوطني الذي يـنعمون به اليوم، لـم يكن هبة أو تـنازلا من محتل بغيض، بل كان انتصارا منتزعا مستـحقا، بتضحيات باهظة عبر سنوات من الـمعاناة والـمقاومة، بـمختلف الوسائل والأشكال، بالـحرف والسلاح، بالكلـمة والبارود، بـدماء الشهداء والـمعتقليـن والـمشرديـن، مدافعيـن عن حلـم الـحرية والكرامة الإنسانية، وأن الاستقرار الذي ينعمون به اليوم ليس إلا ثمرة تلاحم بين العرش والشعب، وليأخدوا العبرة من مصير أشقائنا بالدول المجاورة والشرق الأوسط الذين استكانوا لنزواتهم على حساب استقرارهم ما جعل مصيرهم ضمير مستثر تقديره (المجهول).
يا سادتي الكرام؛
علموا جيل اليوم والغد تاريخ وطنهم ورسخوا لهم قيم الوطن والوطنية والاعتزاز بالانتماء لهم حتى لا يضيعون مستقبلا وسط سماجة ما يتعلمون وتتوالى الخسارات الواحدة تلو الأخرى.