صاحبة الجلالة ليست عدوة
تمثل صاحبة الجلالة أو الصحافة في الدول الديمقراطية سلطة رابعة بالفعل، فهي تبصر الناس بأمور حياتهم، وتطرح القضايا الساخنة على بساط البحث، وتسقط الحكومات وتكشف عن الفساد في منابعه، لكن الصحافة في المغرب لا زالت محدودة التأثير في الحياة السياسية والاجتماعية بسبب القيود الكثيرة التي تكبلها. فبعضها حكومي وبعضها الآخر اجتماعي تمليه التقاليد البالية الضاغطة، وبسبب الرقابة التي تحاصرها من كل جانب، يضاف إلى هذا ما تمارسه رؤوس الأموال المالكة للصحف بطريقة أو بأخرى من تحكم في تدفق المعلومات وتداولها، وتواطؤ مع أصحاب المصالح الذين يزودون الصحف بالإعلانات التي تعد العصب الأساسي لأرباح المنابر الصحفية.
يا سادتي الكرام؛
رغم هذا الوضع المتردي الذي يحيط بحالة الصحافة في مغربنا الحبيب فإن الكفاح الذي خاضه بعض المنتسبين للصحافة، قاد في السنوات الأخيرة إلى تحسن أوضاع الحريات الصحفية، من خلال توفير الآراء والمعلومات التي تهم الشعب كطرف رئيسي، وتنويره بمعطيات وقضايا كانت تعتبر إلى حدود الامس ضمن أسرار العلبة السوداء لعدة إدارات ومؤسسات عمومية، فتحدت كل الاكراهات والوعيد واستمرت في قول كلمتها بشتى الوسائل المتاحة، مؤمنة بالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تضمن الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث عن واستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أي وسيط وبغض النظر عن الحدود.
يا سادتي الكرام؛
تُعدّ حرية الصحافة العجلة الأساسية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي في جميع بلدان العالم، فلا وجود للديمقراطية دون حرية الصحافة بمعناها الفضفاض؛ بعيدا عن وحش الكراهية تجاه الصحفيين الذي يعتبر أحد أسوأ التهديدات التي يواجهها مغرب اليوم. إن الاعتراض على شرعية الصحافة واستقلاليتها اليوم هو لعب بنيران وسياسة بالغة الخطورة، فهذا وزير يمنع التصوير بالمؤسسات الصحية وهذا مدير عام يمنع تصوير عناصره الأمنية وهذا بيان حزبي يتوعد الصحافة بالمقاضاة…فكيف يمكن كشف الفساد إذا لم يوثق بما يمكن أن يعتبر أدلة يستند عليها في محاكم المملكة؟ وهل الكتابة على شخصية عامة أثناء ممارستها لمهامها ومسؤولياتها العمومية يعتبر تجاوزا يستدعي الترهيب؟
يا سادتي الكرام؛
اسمحوا لي ختاما أن أتقاسم معكم تدوينة أحد أساتذتي التي تقول أن "التهديد لغة الجبناء.. ومقاضاة الصحفي لأجل قدرته على كشف الحقيقة إقرار بعجز مصدر التهديد وعدم قدرته على إخفائها وفشله في تحقيق أي إنجاز من صميم عمله يدفعه إلى خلق عداوة من جانب واحد توحد صفوفه وتشغل الناس عنه. ومادام أن أي خصم غير الصحافة يرعبه فهو يراها خصما مناسبا يشتغل بها ويشغل بها الرأي العام إلى حين الكشف عن حقيقة أخرى. #الصحافة ليست عدوة#.
يا سادتي الكرام؛
إذا كان القانون الدولي والوطني يحمي حرية التعبير، بما في ذلك حرية وسائل الإعلام والصحافة، فليس من حق أي مؤسسة أو مسؤول حجب المعلومات أو المعطيات من الوصول للرأي العام، ما دامت لا تدخل في خانة خصوصياته، ولا يمكنه استصدار بلاغات تتوعد بمقاضاته دون احترام القانون الذي يضمن مراحل محددة قبل اللجوء للقضاء من قبيل ما يسمى "بيان حقيقة"، لأن حق الرد مكفول وفق قانون الصحافة والنشر، وإلا سيعتبر التهديد باللجوء إلى القضاء مباشرة محاولة لترهيب ممثلي الصحافة وتكميم أفواههم عن قول الحقيقة.. صدقوني #الصحافة ليست عدوة#. وما لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ….