اليوم فهمت بسطات شعار في بلادي ظلموني

اليوم فهمت بسطات شعار في بلادي ظلموني

 هذه القصة التى سأرتكز عليها في صياغة افتتاحية الأسبوع بسكوب ماروك تستمد قوتها من واقعيتها فهي تحمل في طياتها رسائل وعبر مأساوية لطفلين يبيعون أدواتهم الدراسية من أجل شراء لقمة العيش ومدرسة فقدت بوصلتها نتيجة ترك أطفال في الشارع بعد غياب معلمهم، وأمهات قدمن استقالتهن من واجباتهن كمربيات التي قال عنهن الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدة العلم والأخلاق: الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها… أعدت شعباً طيب الأعراق.

مسرح الواقعة، طوار يجلس عليه طفلين يتبين أنهما تلميذان في بداية دراستهما الابتدائية، يضعان أمامهما محفظتين دراسيتين، في محيط الملعب الرياضي للنهضة السطاتية بين المركب السياحي غرين بارك وبحيرة البطوار بمدينة سطات.. الزمان حوالي الثالثة والنصف بعد زوال اليوم الاثنين 28 يناير. فجأة ينهض أحدهما ويتجه نحوي عارضا قلمه الجاف الأزرق الذي سله من كرزه (حاوية الأدوات المدرسية) قصد البيع لي بثمن 50 سنتيما..

يا سادتي الكرام؛

صراحة، اختلطت علي المشاعر بين الحسرة والألم والشفقة والتذمر…فكل الأحاسيس كانت حاضرة في تلك اللحظة، نتيجة إقدام تلميذ لم يتجاوز ربيعه الثامن على بيع أدواته المدرسية من أجل اقتناء قطعة خبز لسد رمقه من الجوع وفق إجابته لي، فتعمقت معه في الدردشة ليكشف الطفلين بتصريحات متطابقة أن أحد معلميهم تخلف عن الحضور للفصل، ما جعل إدارة المؤسسة تعمل لإخراجهم إلى الشارع، وبعد انتقالهما صوب منزلهما المتواجد بحي سيدي عبد الكريم المعروف اختصارا لدى ساكنة سطات بضالاس، وجدا كالعادة أمهاتهما مغادرتين المنزل صوب المجهول دون ترك مفاتيح البيت.

يا سادتي الكرام؛

الطفلين أو التلميذين كشفا أن أمهاتهما دأبتا على مغادرة البيت، بمجرد توجههما للمدرسة، ويحكمان إغلاق المنزل، بينما يبقى الطفلين في الشارع بعد عودتهما من المدرسة إلى حين عودة أمهاتهما اللتان قد تتأخران أو يمكن أن تعودان بسرعة وفق سبب المغادرة ومدته !!!!

يا سادتي الكرام؛

الواقعة تكشف بجلاء عدة رسائل من بينها: أن الجوع في القرن الواحد والعشرين أحكم قبضته على طفلين في بداية عمرها الزهري حتى وصل بهما المطاف لبيع أدواتهما الدراسية لشراء قطعة خبز، بينما وزارة الحقاوي الرسمية تقول إن الفقر غير موجود في بلادنا الحبيبة، والمعطى الثاني أن المدرسة العمومية فقدت بوصلتها التربوية برمي أبنائها إلى الشارع بعد تخلف أحد المدرسين، والمعطى الثالث أن بعض الأمهات استقلن من أدوارهن المتجلية في التنشئة والتربية والمواكبة والتتبع لفلذات كبدها إلى اللهث لقضاء مآربهن المشروعة وغير المشروعة…

يا سادتي الكرام؛

صدقوني لو عرضت على التلميذين بيع جميع أدواتهما، ربما ما كان ليترددا، وصدقوني حتى لا يقال أن هذه الحالة معزولة وسط المجتمع السطاتي ولا تشكل إلا الاستثناء، فأقول أن حالة توأمين بالإشارة المرورية لساحة الحرية بشارع الحسن الثاني تفند عزلة هذه الحالة، بعدما صادفت تلميذين في التاسعة من عمرهما يبيعان أوراق المناديل في وقت متأخر من الليل وأخبراني أنهما لا يمكنهما العودة للبيت ما لم يتما بيع كل العدد المتوفر لذيهما وإلا سيلقيان عقابا ببيتهما. ربما كتابتي لهذه الافتتاحية سريعة، متشنجة، عصبية، لكنها تعبر عن مشاعر مختلطة وصادقة وواقعية، جعلتني أفهم الهتافات التي رفعتها جماهير الرجاء في أحد المقابلات الكروية "في بلادي ظلموني".