في مثل هذا اليوم…
في مثل هذا اليوم من سنة 1982، لمست أول جسم غير رحم والدتي، إن يد طبيبة صينية تدخلت لولادتي بمستشفى الحسن الثاني بسطات بعدما رفض الأطباء المغاربة مساعدة والدتي دون رحمة أو شفقة لوضع مولودها الذي لم يكن إلا أنا.
في مثل هذا اليوم من سنة 1982، صرخت أول صرخة احتجاج عبر حنجرة لم يتجاوز عمرها الافتراضي دقيقة، ولم أعرف أن الحياة التي تنتظرني ستجعلني أصرخ مرات ومرات، تارة علنا عبر كتاباتي وتارة أخرى في داخلي.
في مثل هذا اليوم من سنة 1982، لم أكن أدرك أن مساري في هذه الحياة يشبه بكثير مركبا صغيرا داخل بحر هائج تتقاذفه الأمواج، حيث منذ ذلك اليوم وأمواج الحياة تلطمني يوما بعد يوم، شهرا بعد شهر، عاما بعد عام، لأجد نفسي اليوم هنا والآن؟ أطرح نفس السؤال الذي لطالما بحث بين ثنايا الايام عن جواب له؟ فيا ترى ما السر وراء تلك الصرخات الأولى التي لازمتني مند أن رأيت النور قبل 38 سنة؟ هل هو استجابة فطرية بمجرد الإحساس الأول بثقل الأمانة؟ أم هو نتيجة لهلع النفس بمجرد أن لامست خطورة الاختيار الذي انتقته روحي؟
توالت الأيام والسنون، ومحيطي العائلي يكشف أن التحصيل العلمي والحصول على الشواهد مفتاح التوظيف في منصب مهم، ولم يكن كل منهم على قناعة كافية أني سنة 2013 سأتمكن من تحصيل أكبر شهادة أكاديمية وطنية بالمغرب (دكتوراه) وبأرقى الميزات الوطنية وفي تخصص يثير الجدل وطنيا ودوليا (البيئة)، مع رصيد موازي من الشواهد العلمية (دبلومين للماستر)، لكن دون الحصول على تلك الوظيفة التي أنا مؤهل نظريا وعلميا لنيلها وفق نصائح محيطي العائلي.
مرت الأيام حتى وصلت لسنين، عندها اكتشفت أن الحصول على وظيفة بالمغرب لا يتطلب كل مساري العلمي والأكاديمي، بل لا يتجاوز وساطة أو زبونية عائلية لخياطة منصب وظيفي على المقاص يلج له محظوظو هذا الوطن. عندها أدركت أن صرختي الأولى سنة 1982 لم تكن إلا بداية لصرخات مفادها "في بلادي ظلموني".
سلمت للامر الواقع وقررت وضع شواهدي العلمية جانبا أمام هذا الواقع المرير، والتفرغ للتفكير في نمط جديد لبناء مستقبلي فولجت عالم الصحافة الغامض والحافل بالتناقضات، فذاك "أمي" لا يعرف فك الخط أو حتى تهجئ جملة أو كتابتها ومعترف به من طرف وزارة الاتصال، وهذا مثقف له رصيد من الإمكانيات العلمية والمعرفية يشتغل عنده، لأقرر بناء مقاولتي في مجال المعالجة الصحفية وخدمات الاعلام، خاصة بعد المبادرات الملكية لتشجيع الشباب الحامل للشواهد على ولوج عالم المقاولة، لكن لم أكن أعرف أن الرسائل والتعليمات الملكية السديدة لا تتجاوز عاصمة المملكة، بداية بالتغطية الصحية والضمان الاجتماعي لفائدة المقاول الذاتي الذي تم المصادقة عليه في قانون في وقت لا يطبق على أرض الواقع، وصولا إلى نسبة الفائدة التي أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس تعليماته لكي لا تتجاوز 2 بالمائة لفائدة قروض المقاولة الذاتية، في وقت أن زيارتي لثلاثة مستشارين أبناك بمدينة سطات، كشفت أن القروض تصل فائدتها ثلاثة أضعاف تعليمات ملك البلاد…
المهم من هذا وذاك، سلمت أمري للواحد الخالق، وأحمده لأني كل عام و أنا بخير.. اللهم إني استودعك عام قد قضى من عمري وأستعين بك على عام قادم وأوجه صرخة أخرى إلى كل الأصدقاء والأوفياء لشرف الكلمة، ولقداسة الحرف، ولطهر الكتابة، ممن بعثروا بعض حروفهم على حائطي تهنئة لي بهذه المناسبة أهدي هذه الكلمات…. وكل عام وأنتم بألف خير قرائي الأوفياء.