خطيئة شيطنة الأمن في مقتل الشاب عثمان
كان رد الفعل الغاضب على حادثة الاشتباه في تسبب أمني في مقتل الشاب عثمان بمدينة الدار البيضاء، متوقعا وفي السياق الطبيعي، وأحسب أن الإجراءات التي اتخذها عبد اللطيف الحموشي المدير العام للمديرية العامة الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني ردا على تجاوز الأمني لحدود مهامه، فاقت في سرعتها وجديتها إجراءات دول تحكمها سلطة القانون مثل أميركا التي برّأت محاكمها رجل شرطة وثّقت الكاميرات جريمته بقتل مواطن أميركي أسود بالرصاص، وشرطي آخر انهال بالضرب على فتى مراهق.
في غضون بضعة ساعات بعد تداول فيديو النازلة المأساوية، كان المشتبه به في الحادث قيد التوقيف والتحقيق. صاحب ذلك صدور بيان من مديرية الأمن الوطني لتنوير الرأي العام، رافقه إقرار قاضي التحقيق، إيداع الشرطي الدراج، الذي طارد الهالك عثمان بالسجن المحلي عكاشة، في إطار تدبير الاعتقال الاحتياطي، ما ساهم بشكل ناجع في احتواء الغضب الشعبي لعائلة الضحية ونجح من خلاله جهاز الأمن في تطويق الحادثة.
لكن، لا يجب في أية حالة من الأحوال، توظيف الحادثة لتدشين حملات لشيطنة رجال الأمن وجهازهم، والحطّ من مكانته في عيون الناس. فليس مقبولا على الإطلاق محاكمة جهاز يضم عشرات الآلاف بسبب سلوك شاذ لأحدهم، لا زال يحتفظ بقرينة براءته إلى حين إدانته من طرف القضاء، فمقابل التصرف المسيء إن تأكد فعلا لهذا الشرطي، ممكن لكل مواطن أن يستذكر عشرات المواقف المشرّفة لرجال الأمن العام في الميدان، وشجاعتهم في تقديم المساعدة الفردية والجماعية، ناهيك عن كفاءة أفراد البحث الجنائي المشهودة في سرعة كشف الجرائم وإعادة الحقوق لأصحابها وحماية الوطن من الظواهر الإرهابية الشاذة.
بعض ما سمعناه من كلام بعض المصرحين لزملاء الراحل “عثمان” عن الأمن الوطني، عبر بعض بوابة ما يزعم أنهم منابر صحفية، كان ظالما بحق وغير منصف، وينطوي على محاولة خبيثة لتصوير عناصر هذا الجهاز الأمني كأفراد عصابات، حيث انسلخت صحافة البوز والكليك عن أبجديات وأخلاقيات صاحبة الجلالة، وانطلقت في جلد الشرطي بعناوين مهزوزة تحمل في طياتها شيطنة عنصر الأمن، ما سيقيم متاريس العداء والكراهية بين أبناء الأمّة الواحدة، والشعب الواحد، والقضية الواحدة، ويصرف أنظارنا عن أعدائنا وهم أخطر الشياطين التي تهدد حياتنا ومستقبل وطننا، حيث فعلا نجحت صحافة البحث عن زيادة عدد المشاهدات في استخدام النازلة للتفريق وضرب بعضنا البعض، فاستدرجوا البعض إلى شيطنة البعض الآخر، حتى إذا ما فرغوا من شيطنة ذلك البعض عمدوا إلى شيطنة البعض الآخر ممن وقع فريسة خداعهم، وهكذا تتواصل الحروب الكلامية والاتهامات بيننا حتى يصبح أعداؤنا أسياداً علينا نتيجة استخدام هذه التصريحات من طرف أعداء الوطن في النيل من سمعة الوطن والحقوق التي يكفلها دستور المملكة.
لكن في الواقع، قد يكون من الدقة والإنصاف تماما تفسير مختلف كواليس النازلة، عبر إدانة لعدد من المتدخلين وليس الأمن فقط، حيث أن حادث مصرع الشاب عثمان لا يتحمل فيه الشرطي مسؤولية الوفاة لوحده، بل تتحملها أسرة المراهق لأنها لم تتابع بشكل دقيق ابنها الذي اقتنت له دراجة نارية في سن المراهقة دون أن تواكبه بالمراقبة والتأطير، يتحمل فيها المسؤولية أسرتي الشابتين اللتين كانتا رفقته على متن نفس الدراجة لعدم مراقبتهم لتصرفات وتحركات فلذات كبدهم، يتحمل فيها المسؤولية الراحل “عثمان” لعدم احترامه مدونة السير والامتثال لتنبيه الشرطي، يتحمل فيها المسؤولية الميكانيكي الذي قام بتعديل محرك الدراجة، يتحمل المسؤولية فيها تاجر أجواء الدراجات الذي باع قطع غيار التعديلات القاتلة التي تلحق بالدراجات النارية، يتحمل فيها المسؤولية سارق غطاء البلوعة التي سقط فوقها الراحل عثمان، يتحمل فيها المسؤولية المجلس الجماعي الذي لم يعمد لإغلاق البالوعة نتيجة عدم تتبعه للشأن المحلي ميدانيا، أما الشرطي فقد قام بواجبه حينما قام بملاحقة دراجة نارية مسرعة يقودها مراهق بطريقة جنونية، رغم أن الشرطي قد يكون أساء التقدير في طريقة المتابعة والملاحقة، حيث كان بإمكانه التبليغ على لوحة ترقيم الدراجة لباقي الرموز الأمنية والسدود القضائية لتوقيفها في الإشارات الضوئية للمدارات الطرقية دون الحاجة لملاحقته… لكن هل يستحق هذا الشرطي كل هذا التحامل لأنه اجتهد عن سوء تقدير في القيام بواجبه، لأن إدانة الشرطي وتحميل المسؤولية لوحده ستقود لا محالة باقي العناصر الأمنية إلى نهج المرونة وغض البصر عن مخالفي القانون امتثالا للحكمة “كم حاجة قضيناها بتركها”، حيث ستكون العناصر الامنية مقيدة الأيادي في تطبيق القانون وجعلها مرتعشة في متابعة المجرمين وتوقيفهم، ما سيساهم لا محالة في إفراز ظواهر شاذة أخرى أكثر خطورة..
بدون در الرماد في عيون المحتجين من جيران وأقارب وزملاء الراحل عثمان. الشاب كان في وضعية مخالفة صريحة لقانون السير. والمجتمع برمته اليوم يتحمل مسؤولية مراهقين لم يجدوا مؤسسات مجتمعية قوية تتصدى بكل الوسائل الممكنة لهذا العبث بأرواح الناس الذي تتسبب فيه كثير من الدراجات النارية المعدلة، المراهق الذي توفي وندعو له بالرحمة والمغفرة، كان من الممكن أن يتسبب في وفاة رجل مسن بالشارع العام أو طفل صغير أو امرأة حامل تحاول عبور الطريق أو يصدم سيارة ليموت ويتحمل مسؤولية النازلة سائق المركبة من جديد دون وجه حق…
لذلك فأفضل ما نرد به على من يحاولون “الشيطة”، هو أن نراجع جميعاً أنفسنا، ونطهّر ذاكرتنا من كل فنون شيطنة بعضنا البعض وأشكالها، ونؤمن ونتعلم إلى الأبد من جداول أعمالنا فكرة الاعتراف بالخطأ، وذلك لكي نتصالح أفراداً وجماعات، وفق معادلة بسيطة تقول أن التباين في الرؤى والأفكار ضرورة لإغناء الشعوب وإثراء حضاراتها، لكن الصدام والتناحر وشيطنة البعض للبعض لا يمكن أن يقود إلا للفتنة فقط.