سطات.. الجفاف التنموي باكورة زراعة الفساد وحصاد “الشقمة”
أكثر المتفائلين، ما كان ليتوقع ما آلت له مدينة سطات أمام براثن التهميش والبداوة والسيبة، حيث طاعون الحفر المترامية أتى على مجمل الطرقات، فلا يسلم شارع أو زقاق من سمها، ومركز المدينة عبارة عن سوق للباعة الجائلين، وأطلال المشاريع خاوية على عروشها وانتشار الدواب والعربات المجرورة بالدواب يذكر الزائر بالقرى المغربية لسنوات السبعينات، كما أن التعمير زحف على الأخضر واليابس دون أن يحترم قانون التعمير، عمالة سطات تحولت إلى مقبرة لعدد من الملفات الملتهبة “تنازع المصالح، مشاريع استثمارية حظيت بالموافقة الجهوية، ميزانية الجماعات، محاضر الدورات…”، الملك الجماعي تحول إلى سلع تباع بالأقساط وتفوت لهم عبر صمت المسؤولين على مختلف مستعمريه، المحلات التجارية والحرفية والمهنية تباشر أنشطة دون حاجتها للحصول على التراخيص الضرورية بفضل تطبيع السلطة المحلية، رؤساء مصالح عينوا أنفسهم بقدرة قادر أولياء على كعك المدينة فيقتسمونه تارة عنوة وتارة أخرى بتسخير القانون لذلك، فحتى الإدارة الترابية بسطات بقيادة عامل الإقليم باتت شاردة لا يعنيها رصد وزجر “السيبة” التي تندرج ضمن اختصاصاتها لأسباب لا تجد جوابها إلا في قول سبط بن التعاويذي ” إذا كان رَبُّ البيتِ بالدفِّ ضارباً.. فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهِمُ الرَّقصُ”…
إنه اللون الأسود الذي يطغى على مشهد قلب المدينة، والاحتجاج الصامت الذي يكسر الهدوء الزائف، وبراكين الغضب التي تشتعل بداخل من لا يزال يملك قلبا نابضا بحب الوطن، وضميرا صاحيا صادقا اتجاه أميرة الشاوية، تسمر أمام هول التدجين أو التطبيع غير المسبوق لعدد من المسؤولين مع هذه الفوضى المتناثرة هنا وهناك، نتيجة تسليم ضمائرهم قربانا لجشع أنفسهم.
يا سادتي الكرام،
يا من تبقى من مواطني سطات الأحرار،
اليوم لا نريد إلا جوابا بسيطا على سؤال: لما تحولت عاصمة الشاوية إلى “قرية سطات” حبلى بالمتناقضات والفوضى؟، فالإجابة عن هذا اللغز الذي ليس بالعصي، قد يفتح شهية رعايا صاحب الجلالة بإقليم سطات لمصالحة مع أهل العقد والسيبة، وإلا فإن الصمت حكمة، ورحم الله عبدا قال خيرا أو سكت…
يقال إن “الحر بالغمزة والعبد بالدبزة”، والغمزة هنا يا سادتي الكرام، هو خطاب العرش لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي قالها علانية لأول مرة بفقدانه الثقة في الساسة والمسؤولين على غرار أبناء شعبه الوفي..
لقد قاومت مدينة سطات لمدة ليست بالهينة ومعها صمدت الساكنة طويلا، لكنها في نهاية المطاف قوضت أركانها بفضل تكالب عدد من المسؤولين الذين يتزايدون يوما بعد يوم بعدما تحولت عبارة “الشقمة” الوافدة الجديدة على قاموس السطاتيين تيمة لهم، ما اضطر مدينة سيدي الغنيمي تستسلم لأمرها المحتوم، وآلامها تتضخم يوما بعد يوم، وجراحها غويرة، رسمت بعض العقليات المتولية لزمام تدبير سطات على اختلاف مستوياتهم والقطاعات التي يدبرونها…
إنها فعلا يا سادتي الكرام، خدوش عصية على الاستيعاب، وواقع خاص من طراز آخر، جعل المدينة تفقد كل شيء من أبسط أولويات ومقومات الحياة، لم تعد مدينة بل هي سجن معنوي ومقبرة لمن بقي من أهلها على قيد الحياة، ومن أهلها من اختار الهجرة من أجل حياة كريمة في مدن مجاورة متنكرا لأصله، ومنهم من آثرها سجنا ومقبرة له، مقبرة للجميع للصغير والكبير والشيخ والشاب والرجل والمرأة، والأمي والجاهل والعالم والمبدع في وقت جعلها بعض المسؤولين بقرة حلوب يغتنون بها على حساب آلامها وآهاتها…
يتبع…