بكل صراحة.. المحاماة لمن استطاع إليها سبيلا
بعد الجدل الذي أثارته نتائج امتحان الولوج لمهنة البدلة السوداء “المحاماة”، والاتهامات بالمحاباة والمحسوبية وغياب النزاهة، على إثر نجاح أفراد من نفس العائلات، تعالت الأصوات المطالبة بفتح تحقيق في الموضوع، في الوقت الذي برر وزير العدل عبد اللطيف وهبي الأمر بتشابه للأسماء وتجاوز الأمر بشكل طائش إلى اعتبار بطريقة أو أخرى أن الديبلوم الكندي أسمى من التعليم العمومي بجامعاتنا المغربية.
الوجبة الأكبر من المحظوظين في امتحان الولوج لمهنة المحاماة، كما تبين من خلال بعض المقتطفات من اللوائح المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، كافية لتبديد ما تبقى من ثقة شعبية بجدية الإصلاح في المغرب، فمن يعاين هذه الأسماء المتكررة لعائلات بعينها، لا يمكنه أن يأخذ على محمل الجد كلام الحكومة ومسؤولينا عن العدالة والفرص المتساوية بين المواطنين.
إنها فضيحة بكل معنى الكلمة، لم يكن المرء يتخيل حدوثها في زمن تموج فيه البلاد بحركات الإصلاح ودعوات إرساء دولة الحق والقانون، فبينما كان المسؤولون الحكوميون وغيرهم يطلقون الوعود بعهد جديد عنوانه الشفافية والمساءلة والرقابة على المال العام، كان ذات المسؤولين، يتسابقون لخرق أبسط القواعد القانونية والأخلاقية عبر البحث لفروعهم عن مقاعد في المحاماة.
ربما تكون الصراحة أحيانا مؤلمة، وربما تعودنا على مساحيق التجميل لإظهار محاسن مزيفة، وبتنا لا نريد من يضع أيدينا على عيوب فينا، سواء على عيوب تمارسها الحكومات، أو نمارسها نحن أبناء الشعب.
نتحدث يا سادتي عن دولة الحق والقانون والحريات العامة والديمقراطية والتغيير والإصلاح ومحارية الوساطة والمحسوبية واجتثاث الفساد، والنزاهة والمكاشفة والمساءلة، ويمارس الكثيرون خلاف ذلك، فلا يؤسسون لدولة ديموقراطية ولا يبنون للديمقراطية مدماكا واحدا، ويستمرئون الوساطة والمحسوبية ويسعون إليهما، ويحاربون الإصلاح معتبرين أنه يضر بمصالحهم ومشاريعهم وأفكارهم، فكيف يمكنني إقناع أبني أو ابنتي بغذ مشرق وأنا أشاهد اليوم محظوظين من علية المغاربة يغتالون الديموقراطية ويتسابقون لاقتسام حظوظ باقي أبناء الشعب.
المصيبة أن ما نسمعه حتى الآن مجرد شعارات لا أثر لها على أرض الواقع، فدولة الديموقراطية شعار نرفعه دون أن نبني له أساسا سليما، فالديموقراطية نتحدث عنها عندما تكون الأمور بعيدة عن مصالح البعض منا، وعندما تخالف الديمقراطية مصالح أولئك البعض وتقترب من كهوفهم وحصونهم تغيب، وتصبح عبئا ثقيلا ورجسا من عمل الشيطان وجب اجتنابه، وفكرة غريبة يراد منها تخريب الدولة والمجتمع.
أما عندما يأتي الحديث عن الفساد، وأهمية محاربته يتطوع الجميع لذلك، ويلقون خطابات لا تنتهي حول ضرورة العمل بكل قوة من أجل اجتثاثه، ودفنه وكشف مرتكبيه، وعندما تسلط الاضواء على فرد أو شخص ما، يهب أبناء جلدته للدفاع عنه وهم يرددون مبررات أكبر من الزلة “قاري في كندا.. عندو جوج إجازات.. عندو الفلوس…”