وا كلثوم.. سمعيني راه عندي ما يكال على سطات

وا كلثوم.. سمعيني راه عندي ما يكال على سطات

دخول شهر ماي بالمغرب، لا يعني فقط الاحتفال بالعيد العمالي أو ترديد مطالب الطبقة الشغيلة أو تنظيم المسيرات والمهرجانات الخطابية، بل يفوق ذلك بكثير، فهو شهر “أمني” بامتياز.. يخلد فيه المغاربة ذكرى تأسيس القوات المسلحة الملكية يوم 14 ماي، وذكرى تأسيس المديرية العامة للأمن الوطني يوم 16 من نفس الشهر، وهي الأجهزة التي سهرت على أمن واستقرار المجتمع وامتصاص الاحتقان، لكن بمدينة سطات وبجوار هذه الأعياد، بات شهر ماي يرتبط باستهداف منتخبي عاصمة الشاوية مدينة سطات، باستغلال سوط المادة 64 دون الاكتراث لتداعيات ذلك من احتقان بعد محاولات سطوة التعيين، الدوس على ديموقراطية صناديق الاقتراع، ورسم خريطة سياسية جديدة، ليس بأنامل العالم الشريف الإدريسي السبتي، ولكن بحبر المادة 64 ويراع القضاء الإداري.

صدقا، أغامر بالحديث عن المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية، التي استعانت بها الداخلية لفرض سطوتها من جديد على منتخبي بلادنا عامة وإقليم سطات خاصة،  فـ”البكاء على الميت خسارة”، فأعتقد أن هذا التوصيف لازال قائما وصالحا لتفسير المشهد بمدينة سطات القائم اليوم، بعودة سياسة الحْرِيدْ، أو ما كان يعرف سنوات خلت بالعصى والجزرة، وبذلك يتم اغتيال الحقيقة بدعوى أنها متحركة وغير ثابتة، وفق منطق الفيلسوف  “نيتش” لإزاحة مفهوم الاستدلال اللغوي عن معناه القصدي، وفصل الإسم عن المسمى، ليكرس معه انفصال الدال عن المدلول، ببثر بؤر العصيان والتمرد وشغلهم بالمنبطحين.

صدقوني يا سادة، أنه لم يتبق للفكر والعقل من أوراق سوى ما يتمثل في محاولاته الحثيثة لتكريس “التفاهة””، وهو ما شمله الفكر الغربي في كتاب “نظام التفاهة” للكاتب الكندي آلان دونو، في محاولة بحثية عميقة يُستشف منها خطورة تغييب الوعي الجمعي لأمم وحضارات إنسانية عريقة في التاريخ.

اليوم، وكمتتبع للشأن المحلي، أرى شرارات اجتماعات مراطونية هنا وهناك، ربما قد تؤدي إلى بلوكاج تنموي، قد يدخل عاصمة الشاوية إلى متاهة  أو مستقبل مجهول لا يخرج منه، في وقت يرجح أكثر المتفائلين أن الأمر قد يقود إلى صيغ احتجاجية مختلفة لا يمكن استشراف حجمها أو نوعها،  ليترك بعض منتخبي صناديق الاقتراع أماكنهم داخل كراسي تدبير جماعة سطات إلى وزارة الداخلية لتعين برموت كونطرولها “تيليكوموند” من يحلو لها لخدمة أجنداتها، بعدما باتت المادة 64 بديلا لما تفرزه صناديق الإقتراع.

للأسف، إجراء وزارة الداخلية بإعادة استفسار رئيس جماعة سطات عبر الاستعانة بتقرير المفتشية، ربما غير موفق وجانب الصواب إلى حد بعيد لأنه لم يأخد بعين الاعتبار الوضعية التي تعيش عليها مدينة سطات لحوالي خمس سنوات،  وربما يحمل في طياته كذلك العديد من رسائل التهديد المبطنة إلى كل رئيس جماعة بالنفوذ الترابي لإقليم سطات، مما يؤشر بشكل ملموس على أمرين: صحة المعاملة التفضيلية التي يحظى بها منتخب على آخر، وهو ما تطرقنا له في أكثر من مرة، نظير تفعيل المادة 64 بشكل مزاجي وانتقائي على منتخبين واستثناء محظوظين، بينما الأمر الثاني هو التأكيد على عودة زمن الوصاية التي تفرضها الدولة على الحياة السياسية، فليس من المفهوم أن تتدخل وزارة الداخلية بهذا الشكل.

صدقوني يا سادة، أن قضاة المجلس الجهوي للحسابات سبق أن رصدوا في سنوات خلت، اختلالات بالجملة تفوق بكثير الملاحظات الواردة في تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية في مواجهة منتخبي جماعة سطات، غير أن مخرجات تقريرهم لم تتجاوز توصيات لتجاوز الاختلالات المذكورة، وهو ما نهل منه مفتشو “الغات” في تقريرهم عن جماعة سطات، برفع عدد من الملاحظات والاستفهامات، التي تم الإجابة عنها، ليتم بناء عليه صياغة تقرير نهائي، سقطت منه جل الملاحظات في وقت تم الإبقاء على أخرى معلقة، لكنها دائما ظلت بمنأى عن الصبغة الجنحية أو الجرمية، التي قد تتعلق باختلاسات أو تبديد أموال عمومية، قد تقود إلى تغيير بوصلة وجهة التقرير صوب جرائم الأموال أو الفرقة الوطنية، ما جعل المجلس البلدي لسطات يبرمج نقطة في الموضوع للمصادقة عليها في دورته الأخيرة برسم شهر ماي 2024، قبل أن تخرج بقدرة قادر، نفس الملاحظات الواردة في التقرير النهائي للجنة “الغات” في شكل استفسار مغلف بالمادة 64، في مواجهة رئاسة جماعة سطات، ما يثير على الغرابة وربما قد يجر آخرين إلى سخرية القدر.

إن اللامركزية الإدارية الترابية، إذا كانت بمقتضاها تتوزع الوظيفة الإدارية بين الدولة والساسة من المنتخبين، بما يعرف باللامركزية “المستقلة”، فإن ذلك الاستقلال، مهما كان لن يصل إلى حد الانفصال، أو إلى إعدام كل علاقة بين  الساسة والدولة، بل تظل العلاقة قائمة بينهما بموجب نظام يعرف بالوصاية الإدارية، أو ما يسمى حديثا بالرقابة الإدارية، حيث جاءت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية لـتأكيد وتنزيل مقتضيات الدستور، فيما يخص الجهوية المتقدمة، إذ حملت العديد من المستجدات فيما يخص الجماعات الترابية، ومن بين أهم هذه المستجدات التخفيف من الوصاية الإدارية لصالح الرقابة القضائية من خلال المحاكم الإدارية، ليتم إلغاء الرقابة الإدارية المسبقة على الهيئات اللامركزية، وتحويلها إلى رقابة إدارية بعدية، تنتهي إلى رقابة قضائية في حالة الإحالة على القضاء الإداري. فهل تحولت الرقابة إلى صولجان لفرض الوصاية من جديدة باستخدام المادة 64 جبرا للنفس الأمارة بالسوء؟

أظن أن مختلف أجهزة الدولة، ربما تحمل من الذكاء والفطنة، ما يجعلها تلتقط بسرعة مختلف الإشارات وتتلقف ما وراء السطور، وتستشرف المستقبل برؤية ثاقبة، ربما إن لم نقل أكيد أنها ستطوي الزوبعة الأخيرة التي أرخت بظلالها على عاصمة الشاوية، لأنها في غنى عن أي احتقان أو اصطدام ربما قد يقود إلى بثر كوة الأمل، ويقودها إلى مستقبل مجهول بقرار أو أجراء متهور ومندفع…

…يتبع…