سطات.. حين تلفظ التنمية أنفاسها الأخيرة وتتعثر قوافل المشاريع الراحلة

سطات.. حين تلفظ التنمية أنفاسها الأخيرة وتتعثر قوافل المشاريع الراحلة

في قلب جغرافية المغرب، حيث يلتقي الماضي بالحاضر، تتجلى مدينة سطات كلوحة فنية تنبض بالتاريخ والحياة. تمثل سطات، التي عرفت بثرائها الثقافي وتنوعها الاجتماعي، تجسيدًا لصمود الإنسان المغربي أمام التحديات. لكن، وسط هذه الصورة الجميلة، تنجلي خيوط من الإخفاقات التنموية التي تعكر صفوها.

اسمها مرادف لسحر غابات جنوب فرنسا، وهي تملك من المؤهلات الطبيعية التي تجعلها فعلا ساحرة وفاتنة، إنها العبارات التي كتبها أحد العناصر العسكرية في أيام الاستعمار الفرنسي للمغرب، حيث تحدث بإسهاب عن مدينة سطات وشبهها بدخول الجنة، وهو يخترق أشجار غاباتها الوارفة من المدخل الشمالي قادما من البيضاء، التي كانت معروفة بآنفا آنذاك. ولكن هذا السحر الذي تم تدوينه ونسخه في وثيقة ليتم تعليقه في بهو قصر بلدية سطات، لوحده لا يكفي للحفاظ على مكانة عروس الشاوية مدينة سطات.

وحيث أن المؤهلات الطبيعية وحدها لا تكفي، فقد استقطبت المدينة خلال العقد الأخير، مجموعة من الاستثمارات والمخططات، وشهدت تنزيل عدد من الرساميل المهمة القادمة من القطاعات الوزارية المركزية، لكن عقارب بوصلة مسؤولي المدينة على اختلاف مكانتهم ومواقع مسؤولياتهم كانت مترنحة في الاتجاه الخاطئ.

يا سادتي الكرام؛

مشاريع طموحة، هنا وهناك، كانت تحمل معها آمالاً كبيرة، غير أن الكثير منها لم يخرج إلى النور، فبقيت أحلامًا مؤجلة على أعتاب الزمن، ومع غياب رؤية حقيقة للمواكبة والتتبع واستشراف المستقبل، ترسخ الشعور بالخيبة والإحباط في نفوس ساكنتها، وكأن سطات أصبحت أسيرة لتحدياتٍ معقدة، تسللت إلى شرايينها، فخنقت روح الابتكار والتجديد.

تحتاج المدينة إلى وقفة تأمل، وإعادة تقييم، لتستعيد شغفها بالتنمية، وتستثمر في إمكانياتها الكامنة، فهل ستستطيع سطات أن تخرج من دائرة الركود، لتستعيد وهجها في سماء التقدم والازدهار؟

يا سادتي الكرام؛

إذا كان المسؤولين يرجعون سبب السنوات العجاف تنمويا بسطات إلى غياب استثمارت وميزانية ضخمة، فإني أقول لهم أن المخططات والمشاريع والرؤى لم يواكبها أدنى تصور تنموي حقيقي للمدينة، لأن توفير المال  لا يعني بأي حال من الأحوال تحقيق التنمية المنشودة، بل حسن التدبير والاستماع للآخر، حيث لو كان صحيحا أن الميزانية من تخلق المشاريع لكنا اليوم وسط نسخة من مدينة الفجيرة الإماراتية، التي تم وضع توأمتها مع مدينة سطات في عهد كان فيه صنبور الدعم متدفقا من كل المنابع (زمن ادريس البصري)، لكن للأسف كان استهلاكه فرديا عوض جماعيا وتحولت مدينة سطات العذراء إلى أرملة تبكي حظها العاثر، بينما اكتفى الوفد الذي كان ينتقل إلى عدد من الدول العربية لتمثيل عروس الشاوية آنذاك، بالليالي الملاح واستقبال الهدايا وقضاء أوقات وردية في كازينوهات وكباريات مصر.

يا سادتي الكرام؛

اليوم بمدينة سطات، حالة من الترقب، من الجمود ومن الانتظارية القاتلة تعيشها كل دواليب الحياة التنموية بمدينة سطات. مسؤولو المدينة منشغلون بترقيع إن لم نقول بتبييض سنوات من التواجد الصوري على مسرح الأحداث، ويراهنون على ذاكرة أضعفها ثقل واقع تكالبت عليه كل الظروف لتجعله عصيا على التجاوز.

هل يستحق مسؤولونا مواطنين بكل هذا الخنوع واللامبالاة؟ أكيد لا، فالأمر بالنسبة لهم مثل ابتسامة المهزوم التي تنفد كالسهم لقلب الفائز وتسرق لحظات الزهو ونفخ الأوداج.

يا سادتي الكرام؛

دعونا يا سادة نستأذن خنوعنا ونحاول اعادة تركيب الصورة، التي باتت واضحة المعالم من خلال عقارب الساعات الخمس لمدينة سطات.

فعلا يا سادة، فحكاية ساعات المدينة تحمل في طياتها رسائل بأكثر من دلالة، حيث أن الساعة الحائطية لمحطة القطار التي كانت متأخرة بحوالي ربع ساعة عن التوقيت الرسمي بالمغرب، في إفادة أن قطارات الخليع دائمة التأخر على الأقل بما يقارب نفس المدة المذكورة، قبل أن يتم هدم بناية محطة القطار لتتحطم معها الساعة مثلما تحطم حلم قنطرة مفتاح الخير بعدما تنصل المكتب الوطني الشريف للفوسفاط عن التزاماته داخل الاتفاقية، بينما الساعة الحائطية لمحطة المسافرين تتحرك بأحد عقاربها في وقت أن العقرب الثاني متوقف عن الدوران في رسالة واضحة المعالم، أن هذه المحطة التي تحتضن الساعة عبارة عن فضاء متوقف ومهجور وتحول إلى مأوى للمتشردين والمتسكعين، مثلما توقف مشروع بحيرة المزامزة بالغابة الحضرية رغم التهامه ملايير المال العمومي، بينما الساعة الحائطية لبناية غرفة التجارة والصناعة والخدمات كانت متأخرة عقاربها بساعة، قبل أن يتم إزالتها وتعويضها بيافطة تحمل اسم المؤسسة فقط، في إشارة إلى الشلل الصناعي الذي تعيشه عاصمة الشاوية دون توفير مناصب شغل لجحافل العاطلين بالمدينة، ودون أداء نفس الغرفة لأدوارها في استقطاب الاستثمار والمستثمرين، وفي في ظل تحول هذه البناية إلى ملحقة لم يحمل مدبروها أنفسهم عناء إقناع زملائهم  في قمة القرار بالمديرية الجهوية لضخ جرعات أنسولين لإنعاش مدينة سطات، فما يزعم أنه منطقة صناعية عبارة عن جسد بدون روح.

يا سادتي الكرام؛

قصر بلدية سطات الذي يتوفر على ساعتين حائطيتين في واجهته، يمينها المتواجدة بجوار مكتب الرئيس، متأخرة بحوالي ساعة وربع في إشارة أن المجلس لا زال يبحث عن بر الآمان، الذي قد يتأتي أو لا يتأتى، وسط متاهة تعدد المقررين والرؤساء، الذين لم ينظروا بعين الرأفة الى مدينة تحتضر، بينما الساعة المتواجدة على اليسار في جدار باشوية سطات وممثل عامل الإقليم في نفس البناية، تعتبر الوحيدة التي تتقدم عقاربها بشكل استباقي، في إشارة أن هناك من يستشرف قدوم الاستثمارات ويتلقف المستثمرين قبل دخول يافطة تحديد السرعة في 60، ويعقد العزم معهم، قبل أن تطأ أقدامهم تراب إقليم سطات، ما يتكلل في معظم الحالات بمشاريع خاوية على عروشها، ما يضطر المستثمرين إلى العودة خائبين، وفي أحسن الأحوال يواصل عدد منهم إذا أعجبتهم “الهوتة” ليخرج مشاريع بسطات تحمل في طياتها تداعيات (رائحة السمك) تتجاوز قيمة نفعها على البلاد والعباد.

يا سادتي الكرام؛

في ختام هذه الرحلة الاستكشافية في عوالم سطات، يتضح لنا أن المدينة، رغم جراحها العميقة وأحلامها المؤجلة، لا تزال تحمل في طياتها إرادة لا تنطفئ. إن الإخفاقات التنموية والمشاريع المتوقفة ليست سوى حواجز مؤقتة أمام شغف أبناء هذه الأرض، الذين يملكون من العزيمة ما يكفي لتجاوز المحن.

يا سادتي الكرام؛

إن الساعات التي تسرقها سطات من وقتها الثمين لن تدوم، فالتغيير يلوح في الأفق، وحتمية النهوض تفرض نفسها. مع كل جيل جديد، يأتي الأمل وتجديد العهود، حيث يمكن أن تتسارع خطوات التنمية وتستعيد المدينة إشراقتها.

علينا أن نؤمن بقوة الأفكار والابتكار، وأن نتحلى بالشجاعة لمواجهة التحديات، فليست سطات مجرد نقطة على الخريطة، بل هي رمز للطموح والرغبة في التغيير. في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستكتب سطات فصولاً جديدة من نجاحها، أم ستبقى أسيرة للذكريات؟ الخيار بين يديها، وأفق المستقبل ينتظر من يجرؤ على اقتحامه !!

فيا مسؤولينا الكرام؛ رجاء إعادة ضبط عقارب ساعاتكم على العهد الجديد، أملا في تحريك الزمن التنموي وفق رؤية متبصرة تنعش أمال البلاد والعباد، حتى لا يبقى جواد “حصان” قلب مدينة سطات دون فارس يقود التنمية.

(مقصودة: واللي جا قدو الصباط يلبسو…).