حتى لا يتم تصفيد قضائنا…

حتى لا يتم تصفيد قضائنا…

المتتبع للنقاشات العمومية التي تعرفها المجالس بالمقاهي أو على الوسائط الإلكترونية من شبكات التواصل الاجتماعي، يكتشف بالملموس أن عدد من مواطنينا لا زال بعيدا كل البعد عن الخطاب العقلاني، والقراءة المنطقية والقانونية لعدد من القرارات القضائية ذات الرهانات الكبرى، وخاصة التي استهدفت مؤخرا عدد من مؤثري روتيني اليومي.

سادتي الكرام؛

إجراء قراءة بروية، في تسلسل الأحداث وما خلفتها وتخلفها من تداعيات، سيجعلني على غرار آخرين من عقلاء الوطن، نجزم أنه مهما قيل أو كتب في حق المنتسبين لأسرة القضاء، فلن نوفيهم حقهم، وسيظل هناك الكثير مما يجب أن يقال عنهم. والأكيد أن الأرقام المسجلة فقط بالدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بسطات فقط، سيكشف لا محالة حجم التضحيات الجسام لنساء ورجال القضاء، فالوضعية الإدارية متمثلة في عدد القضايا المسجلة خلال سنة 2023، تفيد أنها وصلت 121673 قضية منها 47939 قضية مدنية، و73734 قضية زجرية، بالإضافة إلى المخلف من سنة 2022 المحدد في 27260قضية، منها 9862 قضية مدنية و17398 قضية زجرية، نجحت المصالح القضائية للدائرة القضائية باستئنافية سطات في حسم نسبة مهمة منها لتصل إلى الأهداف المسطرة.

سادتي الكرام؛

بعيدا عن لغة الأرقام، فكلما أصدر القضاء حكما في قضية يكون أحد أطرافها شخصا ينتمي لقبيلة الحقوقيين أو الصحفيين أو السياسيين أو مؤثري التواصل الاجتماعي، إلا وقامت الدنيا ولم تقعد، وخرج أفراد من أحد القبائل مستعينين بقاموس التشكيك والاتهام بانهيار المؤسسات ومعلنين سقوط دولة القانون، ومشهرين بفزاعة تشويه صورة البلد في مجال حقوق الإنسان، حيث بات المنتسبون لبعض هذه القبائل يريدون قضاء ينتعل كالحذاء، وأحكاما تفصل وتخاط على مقاسهم.

سادتي الكرام؛

الطامة الكبرى، أنه حين يحكم القضاء بما لا يشتهي المنتسبون للقبائل السالفة، فيعتبرون القضاء فاسد ومتعفن ويتحرك بالتعليمات، فالقضاء بمنظورهم الضيق، هو الوسيلة لحماية أهدافهم السياسية والمادية وإسباغ الشرعية الإعلامية والسياسية على جنحهم وممارساتهم الحاطة بالأخلاق وبالقانون وبحقوق الآخرين، حتى ولو كانت تلك الممارسات ضد القانون، المهم أن يؤيدهم القضاء لا أن يطبق القانون في حقهم.

سادتي الكرام،

المنتسبون للقبائل المذكورة عبر نزعة قبلية، يعتبرون أنفسهم بمثابة المحميون الجدد، لا يهمهم البثة، استقلال القضاء أو سمو منطوق أحكامه عن التشكيك، فتلك شعارات يرفعونها للاستهلاك الإعلامي والصحفي، بل هم هم يريدون قاضي أحكام على مقاسهم يحكم فقط بصك البراءة، ونيابة عامة لا تحرك الدعاوى العامة إلا ضد الآخرين الخارجين عن قبيلتهم الحقوقية والسياسية والإعلامية والفايسبوكية، وقاضي تحقيق لا ينش ولا يهش دوره أن ينفذ فقط طلبات المحميين الجدد، دون أن يجادل أو يناقش، لأنه في اعتقادهم حين يرتكب المحميون جناية أو جنحة أخلاقية ومالية، فذلك لسبب أسمى كثيرا من دولة الحق والقانون، فهي ممارسات لنصرة الشرعية والديموقراطية والحداثة والانفتاح والعولمة…، لا يهم إذا تم انتهاك حقوق الآخرين، لا يهم ما يعانيه الضحايا من آلام نفسية وهم موضوع تشهير او سب أو قذف أو ابتزاز على الوسائط الإلكترونية، لا يهم القانون، ما يهم أن يرى القضاء ولا يتحرك، وإلا سيتم تحريك أسطول الذباب الإلكتروني، وربما الاستعانة بالجمعيات الحقوقية في مقدمتها (مراسلون بلا حدود) ومنظمة العفو الدولية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من أدوات الابتزاز السياسي والإعلامي لبعض المنتسبين لصاحبة الجلالة.

سادتي الكرام؛

أعلم، كما تعلمون أن تسونامي الشعبوية الجارف، وسيول التفاهة والانحلال الخلقي التي باتت تغذي المشهد العام، ستحمل لا محالة معها من يقف أمامها إلى وجهة غير معلومة، معلنة انهيار جيل حاضر وآخر قادم، لكن من غير المتصور ومن غير المقبول كذلك، ترك المؤسسة القضائية بمفردها تخوض معركة الدفاع عن مرفق العدالة، صحيح أنها قادرة على ذلك وزيادة، لكن الدفاع عن قضاء يحاول جاهدا لكي يصل إلى أعلى درجات من النزاهة، تفرض منا قول الحقيقة حتى لا تنجح أجندة التافهين في تصفيد القضاء.