كرسي المنصب.. إحلق وغادر!!
رحلة الأنا، تنطلق من محاولة تفسير زواج المتعة الذي يجمع بين عشق الكرسي وحب السلطة، إنها علاقة أشبه بكرسي الحلاق، تلك هي المناصب عندما يتقلدها البعض من الناس إلى حين، ثم يترجلون عنها إما قسرًا أو طواعية، فليست لهم الخيرة في ذلك لأن لكل زمن رجال أو نساء!
كم هو غريب أمرك أيها الكرسي الدوار، فأنت محط أنظار الغالبية من البشر، وشغلهم الشاغل والحلم الذي لا يفارقهم، لك سحر خاص، تتهافت القلوب بشكل عجيب للوصول إليك، ومساكين هؤلاء المشتاقون إليك أو للمناصب المرتبطة بك، يغازلونك بجنون يصل إلى حد الهوس، فلماذا التمسك بك إذا كان أساسا، الكرسي هو في خدمة الناس؟ لماذا السعي والموت من أجل البقاء في منصب زائل بحكم الزمن وبحكم التاريخ وبحكم سنة الحياة؟ ماذا سيحدث إذا تخلوا عن القيادة وأتاحوا الفرصة أمام جيل آخر لحمل المشعل، ويقود ويطور ويبدع، فالموهبة لها حدود في العطاء، وبانتهائها تصبح الشخصية مجمدة ومسترجعة لتاريخ لا فائدة منه، يصبح المسؤول محتارا ولا أمل يمثله، ولا مستقبل يسعى إليه.
سادتي الكرام؛
هنا في مسرح العبث الكبير، حيث الكراسي ليست مجرد أثاث، بل أصنام يُعبدُ لها، تعيد القوى التقليدية مسرحيتها البالية، بوجوهٍ مترهلة وبقايا بريقٍ كاذب، تقف هذه القوى كالعناكب فوق نسيج متآكل، تسعى بكل قواها لإدامة سيطرتها على مساحاتٍ لم تعد ملكًا لها، وحبس كل فكرة جديدة في زنازين النسيان.
هؤلاء الذين احتكروا الكراسي لسنوات طويلة وعمروا فوقها لعقود، لم يتقنوا شيئًا سوى حياكة المؤامرات وإقامة الحواجز في وجه الشباب، يُحاربون كل مشروع ينبض بالحياة، كما يُحارب النهر السدود التي تُقام لوقف جريانه، فالكرسي بالنسبة لهم ليس مكانًا للمسؤولية، بل قيدًا يُثبتهم في وجه التغيير، لعنةً يُعاقب بها الوطن في كل يومٍ يمضي بلا تجديد.
سادتي الكرام؛
إن ما يحز في نفسي، هو ذلك التساؤل المشروع: لماذا لا يتردد المسؤولون في المجتمعات المتقدمة عن الاستقالة أو التضحية بمقاعدهم بينما يتمسك المسؤولون عندنا بها ولا يفرطون فيها مهما كانت الأسباب؟ الجواب ببساطة يا سدة، كون المسؤول عندنا، إذا تخلى عن كرسيه أو تخلى الكرسي عنه فقد كل شيء، فقد السلطة وفقد النفوذ والجاه، وربما فقد مصدر قوته اليومي…
سادتي الكرام؛
المشكلة أن الأمر لا يتوقف عند معشوقهم الكرسي، بل يمتد لأناهم الذي يقودهم إلى استخراج الأسلحة الموروثة من أعماق الفساد لبثر كل مشروع جيل جديد أو شابٌ طموح، فتنطق النعرات لتقذف سهام الاتهامات، تُشوه السمعة، ويُستدعى الماضي لحياكة الأكاذيب على مقاس الحاضر. إنهم يحاربون بروحٍ خاوية، يعرفون أن الزمن ليس في صفهم، لكنهم يُصرّون على معركة خاسرة ضد العقول المتقدة والأفكار النيرة، ما يمكن أن نستشف منه أن هؤلاء لا يفهمون أن الكرسي ليس إرثًا يُورث، بل مسؤولية تُؤخذ بشرفٍ وتُترك بكرامة.
سادتي الكرام؛
زمن السطوة على العقول قد ولى، وأن كل المحاولات لخنق الطاقات الشبابية، هي كمن يحاول إطفاء الشمس بغربالٍ مثقوب، على اعتبار ان الحرس القديم بمشاريعه التقليدية كخطاباته التي يعيد إخراجها إبان كل استحقاق، خاوية ضمائرهم، وهشة أوهامهم بالبقاء أسيادًا إلى الأبد، فلا تترددوا في زيارة أقرب عيادة نفسية لأن عشق الكراسي مرضٌ لا شفاء منه، يستهلك من أصابه حتى يصبح أسيرًا لفكرة البقاء.
أما محاربة المشاريع الجديدة، فإنها ليست إلا صرخة يائسة من منظومة تعرف جيدًا أنها تعيش أيامها الأخيرة. إنهم يخشون المستقبل، لأنه لا مكان فيه إلا لمن يملك الجرأة على التغيير والإبداع، ولكن الشباب ليسوا خصومًا صامتين، بل هم عاصفة قادمة ستقتلع هذه الكراسي البالية بكل ما عليها، أن لم نقل أنهم نجحوا في ذلك عبر الانسلال أولا وسط الحرس القديم، ومجاورته لاستنباط ماهيته ثانيا، قبل البروز ثالثا كفجر جديد ينير السماء، لتحظى بتأييد الجميع كبذورٌ تنمو لتشق طريقها وسط الخراب الذي خلفه السابقون، فهل ستزهر شجرتهم لتخرج ثمارا لطالما انتظرها العامة، أم ستكون مجرد امتداد لأشجار بالية وأوراق متناثرة سرعان ما ستسقط مع أول نسمة ريح.
سادتي الكرام؛
إنّ الكرسي زائل وإن طال، وصاحبه نازل عنه وإن جلس فوقه أمد، وأرجله ستغوص ذات يوم أرضا، والعاقل من جعل الكرسي يطلبه، ويسعى إليه، والكيّس ينظر في من سيخلفه، لأنه في الأصل خلف لغيره، يصعد ثم ينزل ليترك مكانه لغيره.
…ملاحظة: أي تشابه في الشخصيات أو الأحداث فهو ليس من محض الصدفة، واللي جا قدو الصباط يلبسوا…