صيد الخاطر في سكوب ماروك.. كل عام وأنا بألف خير
في مثل هذا اليوم من سنة 1982، لمست أول جسم غير رحم والدتي، إن يد طبيبة صينية كانت عابرة على مستوى أحد أروقة قسم الولادة بمستشفى الحسن الثاني، تدخلت للمساعدة بعدما سمعت أنين والدتي التي تحت رحمة آلام المخاض “الطلق”، بعدما رفض الأطباء المغاربة مساعدتها دون رحمة أو شفقة لوضع مولودها الذي لم يكن إلا أنا.
في مثل هذا اليوم من سنة 1982، صرخت أول صرخة احتجاج على سوء المعاملة، التي حظيت بها والدتي عبر حنجرة لم يتجاوز عمرها الافتراضي دقيقة، ولم أعرف أن الحياة التي تنتظرني ستجعلني أصرخ مرات ومرات، تارة علنا عبر كتاباتي وتارة أخرى في داخلي.
ما يحدث في مثل هذا اليوم من كل سنة، هو كتابة لتاريخي بأسلوب من نوع آخر، أذكر أن طارق السويدان كتب مرة أن “ابن الجوزي” دون خواطره في كتاب “صيد الخاطر”، وأنا أدون خواطري أو حصيلتي السنوية على “افتتاحية سكوب ماروك”، والغرض من ذلك استقراء لأهم لحظات الأفراح والأتراح، التي رافقتني طيلة سنة من الجِدّ والكد، فالظاهر هنا هو التأريخ، والباطن أتركه للقراء إن استطاعوا فك شيفراته واستخلاص واستنباط الدروس والعبر منه.
من الجيد أن تتحول كتاباتي واعمالي طيلة سنة، إلى محط اهتمام من الصغير إلى الكبير، بعدما أبديت رأيي عن عدد من القضايا في حينها، وأخرى احتفظت بحق الرأي فيها لنفسي، وما زلت أمتلك رأيا وإن توقفت عن إبدائه.
سادتي الكرام؛
لطالما جالست نفسي في بضعة ليلة، من أجل مراجعة شاملة على شاكلة “كرسي اعتراف”، أستحضر من خلاله عدد من الأسئلة من قبيل: هل تغيرت؟ هل تطورت؟ هل ما تزال رؤيتي للأحداث كما كانت؟ هل ما زلت أمتلك ذات الدوافع؟ هل تغيرت أرضية النقاش؟ هل ما كان لدي من قيم قد تغير؟ هل ما تزال روحي هي روحي؟ هل كذبت مرة؟ هل أصبت مرة؟ هل أجبرت فلانا على رأي وفق استشهاد مغلوط؟ ليست هناك إجابة صحيحة لتلك الأسئلة، “الثابت” ليس أسدا، فالتغير سنة الكون، وعلامة النضج. و”المتغير” ليس مرنا، فالتلون سنة الغض، وعلامة الطيش تارة والتمرد تارة أخرى.
لن أخفيكم أني رفقة ذواتي لطالما قهقهنا في أكثر من مرة على بعض كتاباتي، التي كنت ولا زلت أعتبرها مجرد هواية او تسلية “تقشاب” تستلهم روحي، بطبيعة انتقاء عباراتها الساخرة تارة والعلمية القانونية الرصينة تارة أخرى، في وقت أعلم علم اليقين أن وقعها وتداعياتها أكبر من أن تختزل في مقالة عابرة، بعدما شكلت محط ازعاج إلى تضييق على آخرين تحسسوا رؤوسهم وتحولوا من أصدقاء إلى أعداء بجرة قلم.
سادتي الكرام؛
ما عساي أفعل، فالدكتور يوسف بلوردة سيظل في هذه الحياة، مثل قلم الرصاص تبريه العثرات، ليكتب بخط أجمل، وهكذا حتى يفنى القلم، فلا يبقى له إلا جميل ما كتب، يدونه التاريخ السطاتي بعد رحيلي في يوم ما… المهم من هذا وذاك، أني سلمت ولا زلت أسلم أمري للواحد الخالق، وأحمده لأني كل عام وأنا بخير، حققت عدد من أمنياتي من خلال عودتي إلى ردهات الفصول الدراسية، لتلقين العلم والمعرفة، وصناعة جيل داخل صرح الأبرار، قادر على حمل مشعل البيئة والصحافة معا، ولا زالت أخرى في طريقها للبزوغ بفض تحفيز عدد من الأصدقاء ورفاق الخير.. اللهم إني استودعك عام قد قضى من عمري، وأستعين بك على عام قادم، وأوجه صرخة أخرى إلى كل الأصدقاء والأوفياء لشرف الكلمة، ولقداسة الحرف، ولطهر الكتابة، ممن بعثروا بعض حروفهم على حائطي الفايسبوكي أو الواتساب مقدمين تهنئة لي بهذه المناسبة، أهدي هذه الكلمات،…. وكل عام وأنتم وأنتن بألف خير قرائي الأوفياء.