شناقة في.أي.بي.. سطات نموذجا

شناقة في.أي.بي.. سطات نموذجا

في سيناريو فوضوي، ينضح بتفاصيل من العدمية الاقتصادية، انفجر الواقع المغربي في قلب سطات، ليكشف عن هوة عميقة بين التطلعات الرسمية والممارسات السوقية الملتوية، ليكون الشاب عبد الإله المراكشي، الذي باع سمك السردين بخمسة دراهم فقط، بمثابة شرارة حارقٍة في فوضى السوق “المجتمع”، التي أضحت ميدانا للمافيا المحلية التي تتحكم في مصير المواطن.

سادتي الكرام؛

ما قام به هذا الشاب، لم يكن مجرد تصرف طائش، بل كان صرخة جريحة في وجه أجهزة غائبة على اختلاف تلويناتها، ونظام مراقبة يشهد الانهيار أمام خيوط فساد معقدة، ورقابة هلامية وموسمية.

سطات يا سادة، التي تصدرت قائمة المدن المغربية الأغلى معيشةًخلال الشهر المنصرم، وفقًا لتقرير رسمي صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، تعيش على وقع أزمة اقتصادية خانقة، أضحت فيها الطبقات الاجتماعية تُقطع بأيدي السماسرة والمستفيدين من غياب الرقابة الفعالة.

الشاب الذي تصدى لهذه المنظومة القامعة، لم يكن مجرد تاجر يبيع السردين، بل كان رمزا لثورة رمزية ضد هيمنة “الشناقة”، الذين يسيطرون على مفاصل الأسواق المحلية، هيمنة جعلت من المواطن ألعوبة في يد القوانين غير المطبقة، وأصبحت فيها الرقابة والتفتيش مجرد شعارات موسمية ومحتشمة، لا تقوى على مجابهة شبكة من الفساد المنتظم والمنظم، التي اختارت الإثراء على حساب الفقراء.

لكن، صدقوني يا سادة؛

أن يتم إلصاق مصطلح “الشناقة” مع سماسرة الأسعار فقط، فهذا مجانب للصواب، على اعتبار أن كل قطاع له “شناقته” من نوع خاص، حيث طغى “الشناقة” وتجبروا، في جميع الميادين والمجالات، وأصبحت لهم مواقع نفوذ، ومراكز قوة وتخطيط إستراتيجي، وأجندة أهداف وآليات إنجاز ونتائج، عنوانها البارز، الدوس على القانون. فهل حقًا يجهل المسؤولون هذا الفساد العميق؟ وهل تكتفي الدولة بمراقبة ردود الفعل الفورية دون التدخل الجذري؟

سادتي الكرام؛

فأن تظل محلات تجارية وخدماتية محظوظة وتحظى بالحصانة في عاصمة الشاوية، تبيع السلع والبضائع بدون تراخيص، فهذا ليس مجرد خلل إداري، بل هو تجسيد لغياب الدولة التي يقال عنها “دولة الحق والقانون”، أو التي تحمل شعار العهد الجديد، الذي يضع “المواطنين سواسية أمام القانون”.

وها هنا يكمن المأزق الأكبر، فأين تكمن الرقابة التي نادينا بها، وأين هي أذرع المحاسبة التي من المفترض أن تطال هؤلاء الخارجين على القانون؟ السؤال الأكبر هنا هو: هل بات الفساد بنية تحتية لهذا النظام، بحيث أصبح جزءًا من سلوكه اليومي؟

سادتي الكرام؛

لن نتوقف هنا، لأن ما يحدث في سطات، هو تجسيد مرعب لحالة استعصاء فوضوي، بات يطال كل شيء ودون استثناء. فالسوق هنا ليس مجرد مكان لتبادل السلع، بل هو جبهة مفتوحة لصراع طبقي بين طبقات نائمة وأخرى مستغلة. فالمسؤولون (معينون ومنتخبون)، الذين لا يكلفون أنفسهم عناء النزول إلى الشارع لمراقبة هذه الفوضى، او تحيين القائمة القانونية للمحلات المرخصة وحصر الأخرى غير المرخصة لترتيب المسؤوليات في حق أصحائبها، قد أصبحوا مشاهدين في مسرح يتراقص فيه الفساد على وقع الأزمات الاقتصادية، دون أن يكترث أحد لما يعانيه المواطن.

هل يعقل أن يبقى الوضع على ما هو عليه؟ هل يُعقل أن يظل المجتمع أسيرًا لهذه التناقضات الاجتماعية المهلكة؟ هل أصبح الفساد جزءًا من البنية العميقة للنظام، حتى أصبح يفترس حقوق الناس أمام مرأى ومسمع من الجميع؟

سادتي الكرام؛

هذه هي الأسئلة التي لا بد من أن تُطرح بإلحاح شديد، وإن كانت الإجابة عنها اليوم غير ممكنة، فإن ذلك يعكس عجزًا غير مسبوقٍ عن محاربة هذا السرطان المتفشي في جميع أركان القطاعات، حتى أضحى الفساد هو القاعدة والشرعية الوحيدة التي تفرض سطوتها في جميع مناحي الحياة، ليبقى المواطن المسكين في مواجهة شرسة مع آلة لا ترحم، بينما تواصل الأجهزة سباتها العميق.

ختاما سادتي الكرام؛

إن الحقيقة الساطعة، التي لا يمكن تغطيتها بالغربال، أن الأجهزة على اختلاف تلويناتها، من منتخبين ومعينين، والتي من المفروض أن تحمي المواطنين من جشع “الشناقة” بأنواعهم، تكتفي بتدخلات مناسباتية وذات تأثير محدود، لذلك نعيش كل عام إن لم نقل كل يوم، السيناريو نفسه من التبريرات السوريالية الغوغاء نفسها.