حتى لا يبقى حب الوطن حكرا على البعض…

حتى لا يبقى حب الوطن حكرا على البعض…

قد يظهر من خلال العنوان وكأنه موضوع إنشاء لتلاميذ الصف الرابع ابتدائي، ولكننا نتحدث هنا عن قضية محورية وحساسة، وقد تبدو أنها تغيب شيئا فشيئا. حب الوطن من الإيمان مقولة تعلمناها منذ صغرنا أيام الدراسة الإبتدائية، لكن أين نحن اليوم من حب الوطن؟ 33 سنة في عمري ولم أسجل في ذاكرتي أن سمعت أو شاهدت مسؤولا مغربيا تخلى  تطوعا على راتبه الشهري الخيالي دون بذل أي مجهود سوى كسب أصوات الشعب قبيل كل فترة انتخابية عن طريق الولائم واستغلال الفقر الذي هم أسبابه -تخلى عن راتبه- لصالح سكان الدشور والدواوير الجبلية التي تعيش عزلة تامة عن أدنى حدود التنمية كما جاء على لسان الأسطورة الغيوانية "عايشين عيشة الدبانة في البطانة".

فمن غير المعقول أن يقف المسؤول المغربي اليوم في موقف المتفرج العاجز و لا يفعل شيء لتلافي المفارقات بين ساكنة القمة الذين يعيشون الترف بكل أوجهه ومواطني القاعدة الذين يتجرعون مرارة الحياة. كفانا تلاعبا بمصير بلد بأكمله بإيهامنا بالوطنية من خلال شعارات لا تروج إلا في المناسبات في حين الممارسات تعكس وطنا آخر.

فسلوكات الحكومات التي تعاقبت على المغرب باختلاف مشاربها بين اليميني واليساري والمعتدل وشبه اسلامي والمخزني واللامنتمي والخبزي…ساهم إلى حد كبير في تراجع حب المغربي لوطنه و انطوائه على نفسه بعد أن سلطت عليه حملة شعواء ظاهرها ديني أو سياسي و باطنها هدام لروح المواطنة.

يا ساكنة القمة !ترنحوا من مكانكم وتعالوانحو ساكنة القاعدة لنحيي فينا روح الوطنية و نفكر بمصلحة وطننا و نبتعد عن التفكير الذاتي.إني أحزن على حالنا، ما بالنا لا نقيم وزنا لغد ومستقبل الأجيال الذي نتغنى به؟ ما هي مساحة الأمل التي تركناها لتلك الأجيال ولو أن جيلنا ليس أوفر حظا من الذي سيأتي؟ ما هو الشيء الجميل الذي تركناه لمستقبلهم ولو أن حاضرنا أسود قتلته البطالة لمثقفي وحاملي الشواهد في هذا البلد؟ ماذا ستقول عنا الأجيال القادمة؟ ترى هل سيكتفون بلومنا ويلتمسون لنا أعذارا أم أكثر من ذلك بكثير؟

تآكل حب الوطن… تآكل الالتزام في في سبيل الوطن، كثيرون يجهلون كلمات النشيد الوطني، قليل من يعي كلماته ويحفظها عن ظهر قلب… تآكل الاهتمام بإنصاف الآخرين.. ونحن في حالة معاناة حقيقية من تراجع منسوب حب الوطن؛ لذا بات الشاب والفتاة مفتونين بمستقبل في دول المهجر يرسمونه ورديا في مخيلتهم، ولا ترى منهم من يفاخر أنه يحب الوطن باستثناء بعض المناسبات الوطنية أو التظاهرات الرياضية أو مواقف حول قضايا دولية، وهناك من يدعو لحب الوطن في الخطاب السياسي، ولكنه لا يستطيع أن يحدد عناصر المفهوم، لذا تتضارب الآراء حول مفهوم حب الوطن وكل يغني على ليلاه.

بكل صراحة وحتى لا ننكر أن أجيال ما بعد الاستقلال كانت أكثر وعيا بحب البلاد وقيمتها فمناهج التعليم وبرامجها كانت تعمل على زرع هذا الحب كما كان للبلاد قداستها وللراية قيمتها والدليل على ذلك أننا تقشعر أبداننا ونحن نشاهد ملاحم الأجداد وتهتز نفوسنا ونحن نسمع الأناشيد الوطنية الخالدة. وحتى لا يبقى حب الوطنحكرا على البعض آن الأوان للمصالحة بين ساكنة القمة وساكنة القاعدة. فهل لخطابي من مصغي وليس منصت لأنه شتان بين الإصغاء والإنصات؟؟