واجهة منمقة و خلفية تعيش سنوات الضياع

واجهة منمقة و خلفية تعيش سنوات الضياع

إن الحديث عن مدينة سطات أو المدينة المنسية ليس سردا عن مدينة افرزتها حرب عالمية ولا حتى عن منطقة منكوبة ضربها الزلزال أو اجتاحتها كارثة طبيعية أخرى،

 بل عن مدينة اعتبرت المركز الجغرافي للسهول الأطلنتية الوسطى و خزان الحبوب بالمغرب (مطمورة المغرب)، لكنها تعاني حاليا النسيان ونال منها الفساد وأنهكتها سنوات التهميش و الإقصاء لسبب ما!!!حيث تميزت بخيراتها و عطائاتها و تنوعها البيئي و مؤهلاتها التي جعلت منها في فترات سابقة قطبا متكاملا يساهم بشكل كبير في بناء المغرب الحداثي. تتراءى مدينة سطات من مدخلها الشمالي كأميرة يعلو رأسها تاج منطقة الشاوية التي تتوسطها خضرة الغابات لتحلق بك تجليات الهدوء التي يوحي بها المكان الى سماء الارتياح النفسي، و تداعب جمالية اللوحة الطبيعية للشاوية ويقبل نسيمها البارد وجنتيك ويرسم فوقهما حمرة ملفتة، فتغوص مخيلتك في عمق الرسم الإلهي الجميل، وما أن يدغدغ الهدوء دواخلك ويرخي الفضول بظلاله عليك حتى توقظك أول حفرة بالمدينة من وردي أحلامك فيتوالى السقوط المتكرر بالحفر التي وزعت على مختلف الطرقات بما فيه وسط المدينة، وما تفتأ تستيقظ من حلمك وتخطو الخطوات الأولى بداخل لوحتك التي رسمتها سلفا في مخيلتك بأقلام إحساسك وفرشاة بصرك لتتكسر تلك الصورة المزيفة على صخرة عدسة الواقع، وسرعان ما يتبدد سحر الطبيعة وينجلي جمال الصورة الكاذب أمام صور قصف آليات الحفر وجرافات سياسات التهميش والمشاريع الجامدة و العربات المجرورة بالدواب، حيث اللون الأسود يطغى على مشهد المدينة والاحتجاج الصامت يكسر الهدوء الزائف وبراكين الغضب تشتعل بداخل من لا يزال يملك قلبا وإحساسا صادقا اتجاه أميرة الشاوية، في حين تم تدجين البعض الذين سلموا ضمائرهم قربانا لجشع بعض المسؤولين.

فتلك الفكرة عن استفادة مدينة سطات من مشاريع ضخمة في فترات سياسية سابقة سرعان ما تنجلي أمام زائر المدينة ليكتشف أن المدينة شبه حاضرة (شبه مدينة)، فمدينة سطات التاريخية والتي عرفت بجمالية الفضاءات الخضراء  و المساهمة الفاعلة في الإقتصاد الوطني تنتهك في صمت.  ففي غياب مواطن غيور يؤمل منه تفعيل دور المساءلة و المحاسبة والمراقبة وجد المسؤولون والساهرون على تدبير الشأن المحلي فرصتهم للاغتناء على حساب معاناة السكان وعلى حساب التنمية وانشغلوا بتصفية حسابات سياسية ضيقة واستعمار عقول طائشة في مهدها عوض الالتفات لانتظارات وتطلعات الساكنة التي شد كثير منها الرحال نحو باقي المدن المملكة باحثا عن آفاق أفضل لأبنائهم و هاربين من طاعون الركود الاقتصادي، وفارين من المستنقع الذي بدأت تغرق فيه المنطقة، حيث تفشت البطالة بشكل مهول في صفوف الشباب لغياب مشاريع أو استثمارات بإمكانها خلق فرص شغل حقيقية لهم ليصبحوا عالة على المجتمع وأسرهم، ناهيك عن افتقار المدينة لمؤسسات و مركبات ثقافية ورياضية لكسر الجمود الثقافي والتربوي الذي باتت تترنح على إيقاعه المدينة، وتدهور البنيات التحتية…

إن القيام بجولة تفقدية بسيطة لعروس الشاوية تبين بالملموس بأن مدينة سطات التي تتردد على أفواه المغاربة كأميرة الشاوية أشبه بالقرية منها بالمدينة حيث طاعون الحفر المترامية أتى على مجمل الطرقات، ومركز المدينة عبارة عن سوق للباعة المتجولين و أطلال المشاريع خاوية على عروشها وانتشار الدواب و العربات المجرورة يذكر الزائر بالقرى المغربية، كما ان التعمير زحف على الأخضر واليابس دون أن يوفر أدنى شروط الخدمات المتعارف عليها، بالإضافة أن عدد المقاهي يفوق بكثير حجم هذه المدينة مما يطرح علامات استفهام كثيرة؟ ومع بعض التحري يتضح بأن المقاهي ومقاهي الأنترنت هي أغلب الأماكن التي يقضي فيها شباب المدينة العاطل وقته.

هناك فوارق بين واجهة منمقة للزائر و خلفية تعيش سنوات الضياع، فقد قاومت المدينة الأبية وصمدت طويلا، لكنها في نهاية المطاف قوضت أركانها واقتلعت جذورها التاريخية فلم يكن للمدينة اليتيمة إلا أن تستسلم لأمرها المحتوم الذي قضي عليها، وآلامها تتضخم يوما بعد يوم، وجراحها غويرة، رسمت العقليات المتولية أمر المدينة خدوشا عصية على الاستيعاب… واقع خاص من طراز آخر جعل المدينة تفقد كل شيء من أبسط أولويات ومقومات الحياة، لم تعد مدينة بل هي سجن معنوي ومقبرة لمن بقي من أهلها على قيد الحياة، ومن أهلها من اختار الهجرة من أجل حياة كريمة في مدن مجاورة متنكرا لأصله، ومنهم من آثرها سجنا ومقبرة له، مقبرة للجميع للصغير والكبير والشيخ والشاب والرجل والمرأة، والأمي والجاهل والعالم والمبدع…

أصبح التخلص من هاته المعضلات والمظاهر القروية قضية لا تؤرق المسؤولين عن التدبير فحسب، بل كذلك المواطنين والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، الذين يسعون للتعامل معها بما يحقق التنمية، ويحد من المخاطر التي تخلفها تلك المشاريع الواقفة التي تنتظر من يحركها. إذ تعالت صيحات الشباب والغيورين على المدينة : وا منقذاه !!!فهل من آذان صاغية؟؟؟؟؟؟