حوار جريئ: سعيد نوعيم رئيس المجلس الجهوي لهيئة الموثقين بسطات.. نرفض رأي مجلس المنافسة لأن مهنتنا تفويض من الدولة ولا تخضع لمنطق العرض والطلب

حوار جريئ: سعيد نوعيم رئيس المجلس الجهوي لهيئة الموثقين بسطات.. نرفض رأي مجلس المنافسة لأن مهنتنا تفويض من الدولة ولا تخضع لمنطق العرض والطلب

يسود حنق واسع في صفوف الموثقين بالمغرب، إثر كشف مجلس المنافسة، بناء على طلب من رئيس الحكومة، عن رأيه بخصوص مشروع مرسوم متعلق بتحديد مبلغ أتعاب الموثقين وطريقة استيفائها، بدعوته إلى تحديد الحد الأقصى للأتعاب كما ورد في الصيغة التي تقدمت بها الحكومة.

مشروع المرسوم الذي صادقت عليه حكومة سعد الدين العثماني شهر دجنبر من السنة الفارطة، أفرز جدلا واسعا نتيجة دخول مجلس المنافسة كطرف في الموضوع ما أجج الوضع لدى الموثقين الذين يعتبرون أنفسهم لا يخضعون لمنطق العرض والطلب.. سكوب ماروك قرر تسليط الضوء على الموضوع لكشف العلبة السوداء لكواليس هذا الملف عبر استضافة الأستاذ سعيد نوعيم رئيس المجلس الجهوي للموثقين بسطات برشيد السوالم والنواحي…

ماذا يشكل لكم رأي مجلس المنافسة حول تحديد أتعاب الموثقين؟

بداية يجب توضيح أن مجلس المنافسة لا يملك سلطة تحديد أتعاب الموثقين، فهو مخول له إبداء رأيه فقط، طبقا لما ينص عليه قانون حرية الأسعار والمنافسة، وهنا وجب التذكير أنها المرة الثانية التي يستأثر فيها هذا الموضوع برأي مجلس المنافسة، إذ سبق له في حلته القديمة أن أصدر رأيه سنة 2012، بطلب من الحكومة السابقة، وقد أعقب ذلك قرار للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 ماي 2014، والذي نص على إخراج أتعاب الموثقين من دائرة السوق والمنافسة الحرة، وأدرجها ضمن قائمة الخدمات المنظمة أسعارها بمقتضى القانون على غرار المنتجات الصيدلية والخدمات الطبية وأتعاب المفوض القضائي، مما يدفعني إلى الاستغراب والقول إننا أمام هدر للزمن السياسي والمؤسساتي، فمن وجهة نظري ما كان على رئيس الحكومة أن يطلب استطلاع رأي مجلس المنافسة، وما كان على مجلس المنافسة إلا أن يصرح بعدم قبول طلب الاستشارة، نظرا لسبق البث في الموضوع من جهة، ومن جهة ثانية، لأن هذه الخطوة تخالف مقتضيات الفقرة الثانية من المادة الأولى للمرسوم المنظم لحرية الأسعار والمنافسة.

إذا كان القانون لا يسمح فعلا للحكومة باستشارة مجلس المنافسة فما الدافع وراء اتخاذ الحكومة لهاته الخطوة ؟

دون حاجة للخوض في التفاصيل، يمكن القول إن المشرع ألزم الحكومة باستشارة مجلس المنافسة في كل مسألة متعلقة بالمنافسة، باستثناء الحالة التي تحدد فيها الحكومة أسعار السلع والمنتوجات والخدمات التي تقوم بحصر قائمتها، وبما أن أتعاب الموثقين ضمنت في هذه القائمة منذ 2014، فلا مجال لطلب استشارة مجلس المنافسة، كما أنه ليس من اختصاص مجلس المنافسة النظر في طلب الحكومة المتعلق بتحديد أتعاب الموثقين، لأنها ليست مسألة متعلقة بالمنافسة وبالتالي فلا مجال أيضا لتطبيق المادتين 5 و 7 من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، اللتين استندت عليهما الحكومة لإحالة طلبها.

مجلس المنافسة يعتبر مهنتكم حرة، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تخضع أتعابكم لقانون المنافسة، فما قولكم في هذا الخصوص؟

مجلس المنافسة هيأة دستورية مستقلة، تؤمن بمبدأ السوق الحرة وتحرص على تنظيم التنافس بين الفاعلين الاقتصاديين وبالتالي لا يمكن لعاقل أن يتصور لوهلة أنه بإمكانه إبداء رأي مخالف لما ذكرتم، لكن القول إن مهنة التوثيق مهنة حرة، فهذا توجه لا يمكن قبوله أو الاعتداد به.

كيف ذلك؟

مهنة التوثيق تتمتع بتفويض من الدولة لتسيير خدمة عمومية في إطار حر وليست مهنة حرة كما يردد البعض، وهنا يجب الاعتراف أن هذه المغالطة مردها القانون المنظم لمهنة التوثيق والذي لم نستطع التصدي له خلال مناقشة مشروع القانون رغم محاولاتنا الدؤوبة.
وعلى العموم، فإن كل من اطلع على تاريخ مهنة التوثيق، سيتبين له أن هذه المهنة نشأت في بداية القرن الثامن عشر لإضفاء الصبغة الرسمية على الاتفاقات التي يبرمها المتعاقدون.

والرسمية عمل من أعمال السلطة العمومية تتوخى منه الدولة زرع الثقة بين الناس كي تستقر وتتطور المعاملات المدنية والتجارية بينهم. ولأن هذا النوع من المعاملات يتطلب السرعة والدقة والليونة في آن واحد، فقد عملت الدولة على تفويض جزء من صلاحياتها فيه إلى الموثق الذي يمارسها، تحت مسؤوليته، في إطار حر، تحت الرقابة المباشرة والفعلية للسلطتين القضائية والإدارية.

إذن أنتم ضد تحرير أتعاب الموثق؟

إن مجال تدخل الموثق هو امتداد لصلاحيات الدولة، وعليه فإن أي محاولة لجره إلى منطق السوق والعرض والطلب، سيؤدي لا محالة إلى زعزعة إحدى الدعامات الأساسية التي تعتمدها الدولة لتثبيت المعاملات واستقرارها، سيما ونحن بصدد البحث عن نظام تنموي جديد يكرس مفهوم الثقة بين مختلف الفاعلين.

هل تعتبرون أنفسكم ضحية في زوبعة الحكومة ومجلس المنافسة وباقي الفاعلين؟

لا أخفيكم سرا من تطاول بعض المهن الأخرى على مهنة الموثقين، من قبيل بعض المحامين الذين يطالبون بإمضاء الوثائق التي هي من اختصاص الموثقين، نفس الشيء يتكرر بالنسبة بعض العدول الذين بدأوا يعملون بصفة الموثق، في وقت ان مهنة التوثيق ينظمها القانون، تبقى الأكثر ملامسة لتطلعات المواطنين والتي توفر لهم الثقة التي يبحثون عنها في وثائقهم ومستنداتهم.

إذن، ما الحل في نظركم حيال هذا الوضع المثير للجدل؟

نتوفر على تجربة رائدة بالجهة التي أنتمي إليها وامارس فيها مهامي وتتعلق بالتوقيع على ميثاق شرف من طرف مختلف الموثقين وتسهر عليه الهيئة العليا للموثقين، حيث يحدد أتعاب الموثق وشروط مهنية أخرى منظمة للقطاع، لأن هناك ملفات ذات خصوصيات وتتطلب مدة الاشتغال عليها لمدة تزيد عن السنتين، ما يجعل ميثاق الشرف المذكور يتصدى لعمليات السمسرة والإشهار، ذلك ان المجلس الجهوي يتكلف بزجر ومتابعة الموثق الذي يخل بأخلاقيات المهنة ولا يحترم ميثاق الشرف في انتظار خروج المرسوم المنظم للقطاع، كما نأمل تعميم التجربة على باقي ربوع المملكة المغربية الشريفة.